حذر سمير عطية، المدير العام لبيت فلسطين للشعر وثقافة العودة بتركيا، من خطورة حدوث خلل في بنية التوجه العربي والإسلامي لدعم القضية الفلسطينية، في ظل ما تشهده مناهج التعليم والمؤسسات الثقافية على الصعيد الرسمي مما وصفه بحالة إفراغ من الانتماء الطبيعي.
وشدد في حديثه لـ«المجتمع»، خلال زيارته للدوحة، على ضرورة الحذر من حدوث ضبابية وغياب الاستراتيجية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وخاصة فيما يتعلق بقضية النكبة والشتات، وما تلاها من حق اللاجئين في العودة لديارهم ووطنهم.
ودعا عطية إلى ضرورة تعزيز ثقافة العودة، لتظل مترسخة في الذاكرة، ومتجذرة في الوجدان الفلسطيني والعربي، لافتاً إلى دور المؤسسة في مقرها بتركيا لاستقطاب المثقفين، سواء كانوا مقيمين أو أتراكاً، من أجل أن تظل ثقافة العودة متوهجة في وجدانهم.
* ما مناسبة زيارتك للدوحة خلال الفترة الأخيرة؟
– زيارتي لدولة قطر جاءت في إطار حراك ثقافي لبيت فلسطين للشعر وثقافة العودة مع مؤسسات الثقافة في الوطن العربي، ومنها المؤسسات المعنية بالثقافة في قطر، ولقاء مسؤولين وشعراء ومهتمين بالمشهد الثقافي في الدوحة، والاطلاع على هذا المشهد، بهدف دفع العمل الثقافي المشترك والتعريف ببيت فلسطين للشعر وثقافة العودة بتركيا، ودوره الثقافي وبرامجه ومشاريعه المستقبلية، انطلاقاً من المشهد الثقافي المتوهج في قطر، الذي لمسته خلال زيارتي الثانية للدوحة، ولاحظت خلالها تطوراً نوعياً لافتاً على ضخ الإنتاج الثقافي عبر مختلف المؤسسات المعنية، وهو ما يقابله إقبال جماهيري لافت.
ولاحظت أيضاً خلال زيارتي للدوحة أن احتضان الإبداع لم يتوقف عند المبدعين القطريين فقط، بل تعداه إلى المبدعين العرب من خلال حرص المؤسسات الثقافية في الدوحة على احتضان المبدعين العرب، بغية إثراء المشهد الثقافي العربي الهادف نحو المعاصرة، وتحقيق تطلعات المبدعين العرب المدافعين عن الهم الثقافي العربي المشترك.
* أمام هذا الزخم الثقافي الذي تشهده قطر لإثراء المشهد الثقافي العربي، ما تقييمك لتعاطي هذا المشهد تجاه القضية الثقافية؟
– الواضح أن البيئة الثقافية الفلسطينية تحظى باهتمام ثقافي قطري لافت على كافة المستويات، إذ لا يزال الهم الفلسطيني حاضراً في قلب المؤسسات الثقافية القطرية؛ ما جعله في مقدمة اهتماماتها العربية والإسلامية، وما كان لهذا الاهتمام أن يحدث لولا أن للمشهد الثقافي في قطر جذوراً في الأرض، وامتدادات ليست منقطعة، وليست منبتة في الوقت نفسه، الأمر الذي يجعله زاخراً بالعطاء خارج حدوده الجغرافية، ليشمل هذا العطاء تلك المساحة العربية والإسلامية في فلسطين، خلاف عطاءات أخرى ممتدة لدولة قطر تجاه القضية الفلسطينية، ودعم القدس الشريف، وهو الدعم الواجب على جميع العرب والمسلمين.
* هل هناك فهم عميق لهذه القضية، في ظل ما يشهده العالم العربي من تفكك وانقسام، وتآمر على القضية الفلسطينية ذاتها من جانب أطراف كبرى؟
– مع الأسف، يبدو المشهد السياسي متصدراً على الآخر الفكري والثقافي، ولذلك نشهد مثل هذه الحالات التي تحدث عنها السؤال، علاوة على خلل في بنية التوجيه لدعم القضية الفلسطينية، حيث تشهد مناهج التعليم والمؤسسات الثقافية على الصعيد الرسمي حالة إفراغ من الانتماء الطبيعي، فيما تتراجع الثقافة في أولوياتها بشكل غير مقبول لدى الفصائل والأحزاب التي تقدمت في ميادين السياسة والمقاومة والبناء المجتمعي والأداء الإعلامي والتحشيد الجماهيري، الأمر الذي ينعكس سلباً بالتالي على قراءة الأولويات، وانعكاس أثرها على الأرض، والخطورة أن يرتبط ذلك بالقضية الفلسطينية، كونها القضية المركزية للعرب والمسلمين، وفي القلب منها بالطبع قضية القدس الشريف.
* هل يعكس ذلك أن هناك حالة من الإقصاء للثقافة الفلسطينية في بنية الثقافة العربية؟
– الأمر ليس هكذا بالكلية، ولكن هناك حالة من الضبابية، وغياب الإستراتيجية، ومن ثم الرؤية، وهو ما انعكس على الحالة التي وصلنا إليها، وما آلت إليه الأوضاع العربية، الأمر الذي كانت له ارتدادات على القضية الفلسطينية، ويزداد الأمر خطورة عندما نرى الداخل الفلسطيني، ما أحدث تراجعاً في أولوية الثقافة على صعيد المشروع الوطني الفلسطيني بمساريه المقاوم والتفاوضي، الأمر الذي يوجب علينا ضرورة التيقن بأهمية تعزيز الهوية وتدعيمها في مواجهة المشروع الاحتلالي والداعمين له.
* إلى أي حد ساهم بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة في كشف حملات التشويه ضد ثقافة العودة، والعمل على إحياء هذا الحق؟
– الواقع، أن قضية النكبة والشتات، وما تلاها من حق اللاجئين في العودة لديارهم ووطنهم، هي السمة الأبرز في المشهد الفلسطيني، لذلك كانت جهود المؤسسة تتجه نحو تعزيز ثقافة العودة، لتظل مترسخة في الذاكرة، ومتجذرة في الوجدان الفلسطيني والعربي.
علاوة على ذلك، فإن قضية العودة تعد جامعاً مشتركاً لكل المثقفين العرب والمسلمين، إذ نجد الشاعر المصري أحمد محرم كتب عنها عام 1933م، في تنبؤ واضح منه لما ستؤول إليه القضية الفلسطينية، وكان ذلك استشرافاً منه للنكبة، وما نتج عنها من شتات.
من هنا تبدو النكبة لصيقة بالشعراء الفلسطينيين والعرب، على نحو ما نجده أيضاً من قصائد لشعراء من أمثال محمود درويش، وراشد حسين، وغيرهما، ممن حاولوا طرح قضايانا الثقافية في الشتات، لوجود قرابة 8 ملايين فلسطيني بالشتات.
* ما مدى تعاطي الثقافة التركية مع هذا الحق، وما تطرحه المؤسسة من أنشطة، على خلفية الدعم التركي الكبير للقضية الفلسطينية؟
– لا شك أن الهوية الإسلامية تجمعنا داخل المؤسسة، وهي القاسم المشترك فيما بيننا، بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات التي تجمعنا مع الأتراك واحدة؛ ما يؤكد أن التعاطي مع قضيتنا إيجابي للغاية، وكانت لدينا محاضرات وأمسيات تواصلنا فيها مع اتحاد الكتاب الأتراك، على غرار معرض إسطنبول للكتاب، وغيره من فعاليات.
كما كان لنا حضور كبير بفعالية «شكراً تركيا»، وملتقى أدباء الأناضول، الذي يعد منصة مهمة في الثقافة التركية، بجانب إسهاماتنا الأخرى بالعديد من الفعاليات الثقافية التي تشهدها تركيا، التي نجد فيها تفاعلاً كبيراً من جانب المثقفين الأتراك، الذين يتوقون دائماً إلى القدس، ويعملون على دعم القضية الفلسطينية.
* ماذا عن تعاطي المثقفين العرب، سواء من المقيمين في تركيا أو خارجها، مع ما تطرحه المؤسسة من فعاليات؟
– هناك تفاعل واستجابة من جانب المثقفين العرب في تركيا، وغيرهم مع ما تقيمه المؤسسة من فعاليات، فنجد الرواق الثقافي، الذي يستضيف الأدباء الفلسطينيين والمقيمين العرب بتركيا، ونحرص على التنوع الثقافي.
ويأتي هذا التعاطي كون المثقفين العرب ينظرون إلينا على أننا لبنة في صرح، وجزء من امتداد لحركة فلسطينية وعربية، تضعف تارة وتقوى تارة أخرى، ومع ذلك نسعى دائماً إلى التركيز على العطاء الثقافي الفلسطيني، وهذا الارتكاز الذي نعمل عليه يسعى إلى تعزيز ثقافة العودة بين الأجيال.
* كيف نشأت مؤسسة فلسطين للشعر وثقافة العودة بتركيا؟
– المؤسسة نشأت بالأساس في العاصمة السورية عام 2009م، وتزامن تأسيسها مع فعالية القدس عاصمة للثقافة العربية، وأردنا من خلال هذا الربط أن تتواصل الفعاليات المعنية بالقدس، لتظل القضية متوهجة بالعقول، ولذلك كان ميلاد هذه المؤسسة.
وحرصنا فيما بعد على توسيع الأمر بأن يمتد عمل المؤسسة ليشمل الفعل الفلسطيني في الشتات، لنكون بذلك قد نجحنا في سد ثغرة، ليشارك جميع المبدعين الفلسطينيين في الخارج بالفعاليات التي نقيمها.
ولكن مع تطور الأوضاع في سورية، انتقلنا إلى تركيا في العام 2013م، ومع هذا الانتقال تعددت أهداف المؤسسة وتنوعت عبر مسارات مختلفة، وأصبحت المؤسسة ذات أهداف ثقافية متعددة، إما من خلال استقطابها للمثقفين والموهوبين، أو من خلال اشتراكها بالفعاليات المتنوعة التي تقام في تركيا.