يتفق الأهل جميعاً على أهمية بذل أفضل ما يمكنهم لصنع شخصيات ناجحة وقوية لأطفالهم تساعدهم -بنات وأولاداً- على مواجهة الحياة بحلوها ومرها؛ فلا تنسيهم الأحداث الطيبة الانتباه لتحسين مهاراتهم وقدراتهم، ولا يسمحون للمواقف الصعبة بالنيل من عزائمهم ولا ينكسرون أبداً؛ فيسارعون بالنهوض بأنفسهم –بعد الاستعانة بالرحمن- وانتزاع الخبرات.
ويؤكد الواقع أن معظم الأسر تساهم بالإضرار بشخصيات الأبناء؛ ولا يتعمدون ذلك بالطبع وهو ما سنعرفه بالأسطر التالية:
تؤثر وتستطيع
نبدأ بتعريف الشخصية؛ وأفضل تعريف أنها ما يرتبط بنظرة الإنسان لنفسه واستجاباته لتعاملاته مع الآخرين وما يتخلل ذلك من طباع ومهارات.
وتؤثر الأسرة كثيراً في بناء شخصية الطفل بالسلب والإيجاب وتستطيع الأسرة مراقبة تأثيرات الآخرين على الطفل فتنمي الإيجابي منها وتقلل السلبي قدر الاستطاعة.
وللأسرة دور مهم لضبط تأثير عوامل جسدية غير مرغوبة خاصة بالطفل، كمشاكل النمو أو التلعثم أو قصر القامة وأخرى جيدة كالجمال الفائق وخفة الظل والنبوغ الدراسي.
ففي الأولى؛ يمكن للأسرة التنبه لمنع فقدان الطفل ثقته بنفسه ومساعدته بلطف وبدون مبالغة بالحماية وبلا إنكار مشكلة الطفل وزرع تقديره لنفسه واعتزازه بها بتدرج.
وبالثانية يجب حماية الطفل من الغرور ومن النزوع للسيطرة ومن الاستخفاف بمن يقلون عنه، وتعليمه شكر النعم بحسن الخلق وباليقين أن الخالق منحه النعم فلا يتكبر بسببها فيفقد رضا المنعم وتتراجع علاقاته بالناس ويخسر الدين والدنيا.
رفض وحزم
نتوقف عند خطأ مؤلم شائع وهو تقبل سوء أدب الطفل وتلفظه بكلمات غير لائقة وإن غلفها بمزاح؛ والضحك عليها يفقد الوالدين الهيبة ويؤثر بالسلب على صورتهما الذهنية عند الطفل فيراهما بأقل مما يجب ويتناقص احترامه لهما، ويضعف تأثيرهما الإيجابي عليه ويشجعه على سوء الأدب وتتلون شخصيته بها.
ونوصي بعدم الضحك وردعه بحزم والقول: ما نرفضه لن نقبله إذا قيل بمزاح بل سيكون الرفض أكبر لأنه يتم بتحايل مرفوض ويجب منع الطفل من التحايل؛ فإذا تمكن منه فسيكون جزءاً من شخصيته مستقبلاً وسيضره.
ونرفض القول بأن أولاد هذا الزمن يفرضون رغباتهم على الأهل وهو أذى نلحقه بأنفسنا وبأولادنا؛ فهذا الرأي يتجاهل حقيقة أن الأبناء بكل زمان ومكان يرغبون ويحاولون فرض رغباتهم على الأهل باستماتة؛ وكان الأهل سابقاً يرفضون الاستسلام ويتشبثون بحزم بما يرونه الأفضل للأبناء وصنعوا شخصيات ناضجة للأبناء بعكس الناتج من الرضوخ لهم فيصنع شخصيات ضعيفة تنهار لأبسط المشاكل وتتسلط على الأهل فلا يستطيعون توجيههم لما ينفعهم ويخسر الجميع؛ فالأبناء يفقدون تعلم الصواب ويقبلون بتسلط الغير عليهم، والأهل يتحسرون لفشل الأبناء.
هروب وانزعاج
من الأخطاء المؤذية الرضوخ لصراخ الطفل عندما يريد شيئاً يرفضه الأهل للتخلص من الضوضاء ولمنع الانزعاج وهرباً من الإلحاح، أو لعدم تمتع الأهل بالحصول عليه وهم صغار ويريدون إمتاع الطفل به؛ ويتناسون أنهم يعطون الطفل درساً واقعياً مفاده: إذا رغبت بشيء ممنوع اصرخ وستجبرنا وسيتلقفه الابن وينفذه.
والمؤكد أن الطفل إذا صرخ مائة مرة ليحصل على رغباته ورفض الأهل 99 مرة وخضعوا مرة واحدة فسيعاود الضغط بالصراخ مجدداً.
والحل إخبار الطفل بكلمات قليلة رفض الأهل الاستماع إليه وهو يصرخ وإفهامه بهدوء سبب منعه عما يريد ثم إشغاله بشيء يحبه.
وإذا واصل الصراخ فيؤخذ برفق وبحزم لحجرته ولا يغلق عليه الباب وتكون مضاءة، ويقال له بهدوء: ستبقى بها حتى تقرر التوقف وبهذا لا يتضايق الأهل من الصراخ وسيتوقف عندما يفتقد من يتابعه.
وسيحتاج لبعض الوقت ليتوقف عن الصراخ، والجهد المبذول لتدريبه أقل من الانزعاج وتحمل صراخه ويحمي الطفل من تشويه إدراكه، فالحياة لن تعطيه رغباته عندما يصرخ ويجب أن يتقبل مبكراً رفض بعض رغباته أو تأجيلها ويتعلم الرضا والفرح بما لديه ويتشاغل به عما ينقصه.
ولا نطالب بحرمان الأبناء دائماً، فله ضرر سيئ ويؤثر بالسلب عليهم ويحرمهم من الفرح بطفولتهم ويقلل سعادتهم مستقبلاً؛ إذ يشعرون بالظلم لحرمانهم من طفولة سعيدة خاصة مع إمكانيات الأهل المادية الجيدة وخير الأمور الوسط فلا إفراط ولا تفريط.
بسكويت هش
نصل لأكثر الأخطاء شيوعاً وهو التدليل الزائد للأطفال، ويبرر الأهل ذلك بأن الطفل لا بد أن يسعد بطفولته وألا يحرم من شيء تستطيع أسرته منحه إياه؛ ليتمتع بشبع نفسي ومادي، وتخبرنا الحياة أن الأطفال المدللين لا يقدرون ما يحصلون عليه ويرونه حقاً لهم ولا يسعدون كباقي الأطفال الذين يجربون المنع أحياناً فيقبلون على ما يحصلون عليه بفرح كبير وتصبح شخصياتهم أقوى وأكثر تفهماً عندما يواجهون الأزمات مستقبلاً، بعكس المدللين الذين عاملهم أهلهم وكأنهم قطع من البسكويت الهش الذي سينكسر عند رفض رغباتهم، فهم أكثر تعرضاً للمتاعب النفسية عندما يكبرون ويواجهون حقيقة أن الحياة لن تدللهم.
ويزرع التدليل الزائد الأنانية بعقل الطفل وقلبه، وللأسف فالأهل أول ضحايا أنانيته.
ويبالغ بعض الأهل بالخوف على الأبناء وكأنهم معرضون للأخطار دوماً، ولنحذر الحماية الزائدة لهم فستحرمهم من النمو النفسي وستجعلهم شخصيات اتكالية مترددة وقد تدفعهم لابتزاز الأهل نفسياً وعاطفياً –ولو بدون قصد منهم- للفوز باهتمام أكبر؛ فيهملون واجباتهم أو يدعون المرض أو يسيؤون التصرف لينشغل الأهل بهم دوماً.
تحذير وتنبيه
قد يترك الأهل الأبناء دون تحذيرات من التحرش وعدم الحديث مع الغرباء وعدم التسرع بالصداقات وأهمية التريث قبل منح الثقة ومراجعة هل يستحقونها أم لا؟
ويتعمدون عدم التحذير لعدم تخويف الطفل وتركه يستمتع بالبراءة! ولكنهم يصنعون طفلاً ساذجاً وهدفاً يسهل استغلاله، ونوصي بأهمية التحذير دون مبالغة وبلا هلع، فنخبر الطفل بالأخطار ونؤكد ثقتنا بأنه يستطيع بفضل الوهاب النجاة منها، وستستفيد شخصيته من الفهم المبكر بأننا لا نعيش بالجنة، وهناك أشرار يتعمدون الإساءة، ويتقن التنبه لهم ويجيد مهارات التعامل معهم بمساعدة الأهل.
ومن الإضرار بشخصية الطفل السماح له بالجلوس مع الكبار أثناء مناقشة أمور خاصة بهم بدعوى أنه لا يجب منعه ليثق بنفسه، ولا بد أن يتعلم الطفل مبكراً الالتزام بالحدود بالتعامل مع الكبار ويكتفي بإلقاء التحية والانصراف لشؤونه فيخاطب الكبار باحترام ويتقن المجاملة بلا مبالغة، وألا يكتفي بالأدب، وأن يكون لطيفاً وغير متطفلاً ولا فضولياً، وهي السمات التي ستستمر معه وتجعله شخصية محبوبة وتحظى بالاحترام.
ومن الأخطاء القاتلة ترك أطفالنا بلا قدوة تضيف إليهم دينياً ودنيوياً؛ فنجعلهم يقتدون بممثلين وغيرهم ويكون طموحهم تقليدهم بالمظهر والحركات وشاهدنا مؤخراً طفلاً ينهار باكياً بعد لقائه بلاعب كرة، ولو انتبه أهله له وأرشدوه لما يشغل عقله ووقته لما انهار، ولا نعني منعه من متابعة الكرة أو ما شابه ولكن نضعها بحجمها المقبول، ونملأ حياته بالمفيد ونجعل قدوته من الصالحين والناجحين بحق.