كان يوم الخميس 9 مايو يوماً من الأيام المشهودة في تونس، في ظل تغيّر الموازين، فبعد أن كان الجلادون يحاكمون ضحاياهم، كما هي الحال في بعض البلدان اليوم، ها هم الضحايا يحاكمون جلاديهم من خلال الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، ومنها الدائرة الجنائية المختصة في النظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وذلك في ملف قضية تعذيب بشعة بدهاليز وزارة الداخلية خلال فترة التسعينيات تعرضت لها ناشطات بحركة النهضة وهن كل من حميدة العجنقي، وسلمى فرحات، وفاطمة المثلوثي.
فرار من القصاص
يعتمد الجلادون أسلوب الاختباء والتخفي وتغيير الملامح حتى لا يقبض عليهم ويجرون إلى العدالة، وقد كانوا يعتقدون أنهم ملاك الدنيا، وأسياد الناس عقوداً طويلة، شملت الأبحاث في القضية 7 متهمين، من بينهم بن علي، الذي يقال: إنه على فراش الموت يصارع السرطان، بعد أن كان يضطهد معارضيه، ولا سيما الإسلاميين منهم، ووزير الداخلية الأسبق عبدالله القلال، ومدير الأمن الرئاسي سابقاً علي السرياطي، ومحمد علي القنزوعي، المدير العام السابق للمصالح الأمنية.
شهادة صادمة
وقالت حميدة العجنقي أمام المحكمة، بحضور قيادات من حركة النهضة على رأسهم زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي: إنها غادرت مقاعد الدراسة بعد أن تم التضييق عليها ومنعها من ارتداء الحجاب، فقام والدها بتسجيلها بمعهد خاص للإعلامية، وبعد أن تخرجت منعت من العمل بسبب ارتدائها للحجاب.
وذكرت أنه بعد فترة من تخرجها داهم منزلها بمنطقة سكرة (إحدى ضواحي العاصمة) 6 من الاستخبارات التابعين لوزارة الداخلية، كانوا مدججين بالسلاح ويرتدون زياً مدنياً ثم أرغموها على الصعود في السيارة الأمنية وتوجهوا بها إلى وزارة الداخلية، وكانت بجانبها فتاة أخرى (حسب إفادتها) تبدو عليها آثار التعذيب الشديد، وعندما توقفت السيارة الأمنية أدخلوهما إلى مقر الاستخبارات وقاموا بنزع الحجاب واعتدوا عليها بالعنف الشديد، وقاموا بجرهما إلى الغرفة المخصصة للمحققين، فوجدتا فتاة عمرها 18 سنة كانت قد تعرضت للتعذيب الشديد حيث كانت عارية الجسد وشعرها مبللاً بالماء وملفوفة داخل غطاء من الصوف.
تعذيب وحشي
وأكدت الضحية أنها كانت تبلغ من العمر 18 سنة، في ذلك الحين، وأن 10 جلادين بزي مدني نزعوا عنها جميع ملابسها وربطوا يديها وساقيها، وقد شعرت حينها أنها على وشك الموت، وأن التعليق استمر لمدة 3 ساعات، ثم ينزلونها ويعيدونها مجدداً، ثم يعتدون عليها بالضرب بواسطة عصي على مستوى الرأس، وحاولوا افتضاض بكارتها بها إن لم تُدْلِ لهم باعترافات حول مكان تواجد قيادي بحركة النهضة يدعى الصحبي الهرمي كان محالاً بحالة فرار، وكانت تتواصل مع زوجته التي أكدت لهم أنها لا تعرف مكانه ثم ذكرتها فقاموا بإيقافها موضحة أنها لم تكن فعلاً تعرف مكانه.
امرأة تشرف على التعذيب
وإلى جانب حديثها في شهادتها على أنها تعرضت لتعذيب شديد ومتواصل، وأنها لم تكن قادرة على مزيد من التحمل، وأن عملية التعليق كانت وحشية، وأنهم كانوا يتحرشون بها وهي معلقة، ذكرت بأنه كانت هناك امرأة تشرف على تعذيبها بطريقة وحشية وعنيفة جداً، وأن أحد الزبانية هددها بالموت إذا لم تذكر أماكن وجود مناضلين لم تكن تعرف أين هم حقيقة، ومما قالته أن ضابطاً أسمر البشرة كان في حالة سُكْر قام بإغلاق الباب عليها، ثم طلب منها نزع ملابسها، إلا أن صياحها وتمسكها بعدم نزع ملابسها جعله يتركها ولم يعتدِ عليها، وجلب لها الماء، وأنه طلب منها أرقام عائلتها، ثم اتصل بهم فعلاً وقام بتهديدهم وترهيبهم.
طبيب يطلب وقف التعذيب
في اليوم التالي، حسب الضحية، حضر طبيب للمعايدة، وطلب من الجلادين التوقف عن تعذيبها مجدداً لأن جسدها لم يعد يتحمل، ووصفت الطبيب بأنه كان رحيماً معها ومع بقية الفتيات لا سيما أنهن ظللن لمدة 15 يوماً يتعذبن على يد وحوش كانوا يطلقون على أنفسهم كنيات حتى لا يتم التعرف عليهم، لكنهم الآن معروفون بالاسم واللقب ومكان السكن وكل المعطيات الشخصية الخاصة بهم، بمن فيهم الضابط المشهور باسم محمد الناصر الذي كان يحضر لعمليات التعذيب، وكان يُطلع ضحاياه على مجموعة كبيرة من الرتب العسكرية من خزانته ويخبرهم بأن أصحاب تلك الرتب الكبيرة تعرضوا للتعذيب، قائلاً لهم حرفياً: “إحنا ما يكبر في عينا حد”!
وقد أكد لهم أيضاً أنه كان يمارس مهامه، وأن قياداتهم من حركة النهضة من غررت بهم وأساءت لهم وجعلتهم يتعرضون إلى تلك الممارسات، لكن أولئك الذين لم يكن يكبر في أعينهم أحد -كما كانوا يقولون- يختبئون مذعورين اليوم، وسيمثلون طال الزمان أم قصر أمام العدالة بالجرم المشهود، ولم يكن ذلك يخطر لهم على بال، وكانوا يهددون ضحاياهم بالعودة لنفس المكان في حال الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان أو الإعلام أو التوجه للطبيب للاستظهار بشهادة طبية تثبت تعرضهم للتعذيب.