تحت شجرة زيتون تحلقت عائلة الحاج عامر بدوي حول مائدة الإفطار، تفترش تراباً بللته زخات المطر، في أحد بساتين مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، فما إن يعلو صوت أذان المغرب حتى تتحلق العائلة المكونة من تسعة أفراد حول أرغفة خبز وبضع تمرات وأكواب لبن بلاستيكية صغيرة.
الوجبة المتواضعة واحدة من 500 وجبة إفطار تقدمھا منظمات إنسانية نشطة في الشمال السوري، ضمن حملة لمساعدة مئات العائلات الفارة مؤخراً من بلدات ريف إدلب الجنوبي، نتيجة القصف والعمليات العسكرية.
بصوت مرھق يروي عامر بدوي (68 عاماً) رحلة النزوح عن منزله بقرية الهبيط بريف إدلب الجنوبي، قائلاً: نجونا بأعجوبة، فالضيعة كانت تحترق وأصوات الطائرات وانفجارات القذائف والصواريخ لا تغادر سمعي، الحالة تشبه ما نسمعه عن أهوال يوم القيامة.
ويضيف: لم أستطع حمل أكل أو لباس أو بطانيات، ولم أكن أتخيل أن أول أيام الشھر الكريم سيحل علينا في ظل ھذه الظروف القاسية، حيث نبيت في العراء بعيداً عن المنزل، وباتت العودة إليه بعيدة المنال.
مرضى وحرمان
على مقربة من مائدة الحاج عامر، انشغلت السيدة صبرية الحسين مع أولادھا الثلاثة عند موعد الإفطار بنصب خيمة صغيرة تبرع بثمنھا أحد سكان مدينة سرمدا.
تقول السيدة الخمسينية النازحة من قرية الشريعة بريف حماة الشمالي: إنھا فقدت زوجھا واثنين من أبنائھا بقصف جوي روسي على مدينة كفرنبل بريف إدلب، أثناء ذھابھم للتسوق وشراء حاجيات المنزل في أول أيام شھر رمضان.
وعن رحلة النزوح تقول: بعد استشھاد زوجي وأطفالي وعلى وقع القصف المكثف على القرية واحتدام الاشتباكات في أطرافھا، نزحت مع أولادي الثلاثة مشياً على الأقدام من قرية الشريعة إلى الطريق الدولي مدة ساعتين، حيث أكملنا طريقنا إلى الشمال على متن شاحنة تقل عائلات نازحة من قرى حماة.
إصابتها بالربو تجعل السعال الحاد يقطع حديثها عن حاجتها إلى طبيب وعلب دواء يتعذر عليها شراؤھا بسبب ضيق ذات اليد، ومن ثم تأمل في إنشاء نقطة طبية لتقديم الخدمة الطبية للنازحين.
مأواھا الجديد يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة مثل مياه الشرب والغسيل، وھي معاناة تتشارك فيھا جميع العائلات التي تبيت في البساتين.
وعن شعورھا بحلول شھر رمضان المبارك، تقول صبرية بلھجتھا الريفية والدموع تنسكب من عينيها: في مثل هذا الوقت كنا نجلس أمام باب الدار نشرب الشاي بعد الفطور، وأدعو الله أن يلحقني بزوجي وأولادي عن قريب.
نازحون بالآلاف
أصبحت بساتين سرمدا المأوى الجديد للعائلات الھاربة من القصف والعمليات العسكرية في جنوبي إدلب، وهناك يقوم مسؤول التنسيق في مديرية الإغاثة والتنمية حمزة الناصر بإحصاء أعداد العائلات التي تحتاج إلى مساعدات عاجلة.
يقول الناصر: إن العائلات المشردة في البساتين تجاوزت الثلاثمائة، وتوقع ارتفاع العدد نظراً لاتساع رقعة التصعيد والقصف من قبل قوات النظام والطائرات الروسية ليشمل مناطق جديدة مكتظة بالسكان، مثل بلدات وقرى جبل الزاوية ومدن خان شيخون ومعرة النعمان.
كما نبّه إلى أن نداءات الاستغاثة “لم تلق أي استجابة من المنظمات الإنسانية المعنية بمساعدة النازحين في الشمال السوري، على الرغم من حالة العائلات الكارثية، مع عجز مديرية شؤون النازحين عن استيعاب موجة النزوح الكبيرة في الأيام الأخيرة الماضية”.
وأوضح أن النازحين “في حاجة ماسة إلى خيام ووجبات فطور وسحور وحليب أطفال بشكل يومي، فضلاً عن ضرورة تأمين مياه الشرب والغسيل على وجه السرعة، وإنشاء نقاط طبية للإشراف على علاج المرضى من كبار السن والأطفال”.
ووفق إحصائيات غير رسمية في الشمال السوري، فقد بلغ عدد الفارين من حملة قصف ھي الأعنف للنظام السوري وروسيا على القسم الجنوبي من محافظة إدلب نحو ثلاثمئة ألف نسمة، منذ مطلع مايو الحالي.