اشتهر العرب بفن الشعر، ولم نرث منهم مُعَّلَّقة تصور سيرة سيدنا إبراهيم وأسرته المباركة، وكذلك اشتهر الرومان بفن التمثيل ونشروا المسارح أينما وجدوا ولم يتركوا لنا مسرحية عن قصة إبراهيم، واشتهر اليونان بالأساطير وكتابة الملاحم ولم تَرِث البشرية منهم شيئا عن سيدنا إبراهيم، واليهود دانوا للتوراة والمسيحيون للإنجيل وآمنوا بنبوة إبراهيم ولم نر في شعائرهم تجسيدا للسيرة المباركة لأبي الأنبياء.
حتى جاء الإسلام فرسم صورة كاملة في شعيرة الحج تصور حياة تلك الأسرة المباركة وفي مسرح الأحداث، ومع تكرارها كل عام لتبقى حية على مر الزمن.
يتتبع فيها المسلمون خطى تلك الأسرة المباركة، في جهادها لإعلاء كلمة التوحيد.. في تجسيدها لصراع الإنسان مع الشيطان.. في أعظم تضحية من أجل الحب.. في سعي الإنسان بحثاً عن الرزق وفاءً بمسئوليته عمن يعول، في سعيه نحو العلم والعرفان في نهار عرفات، في سعيه نحو الفكر والشعور في ليل المشعر الحرام.. في أشواقه للفرح والسعادة في يوم العيد، في توقه نحو أخوة إنسانية يذوب فيها اعتبارات الجنس واللون والعِرق والطبقات الاجتماعية في جمع يجمعه وحدة الهدف والشعور.. في فرصته للتعرف على ذاته المتجردة من رياش الثياب ومألوف العادات.. في أمله في الأمن والسلام لدرجة حرمة إيذاء النبات والحيوان، في مجتمع مترابط متآلف يَحرُم فيه الفحش من القول (الرفث) وارتكاب المعاصي (الفسوق) واللدد في الخصومة وبث الكراهية والجدال بالباطل .
من كان سيحفظ ويحيي هذه المعالم التي اندثرت، وذكرى أسرة مباركة في عالم الناس قد نُسيَت، ورَفْع راية توحيد انتُكِسَت.
إنه سيدنا محمد الذي اصطفاه ربه ليكون صاحب هذا المقام الرفيع، ورسوله إلى العالمين، ومُبَلِغ رسالته الخاتمة إلى يوم الدين .
{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.) (آل عمران: 68).