لم يقتصر تساقط الثلوج هذا العام على معاقله المعهودة بالشرق الأوسط، بل امتدت تلك الكريات القطنية البيضاء لتشمل بلدانا أو مناطق لم تألفه منذ سنوات.
كريات بيضاء تتوحد على الأرض فتفرش بساط أحلام وإبداع للبعض، ولكنها قد تفاقم معاناة البعض الآخر أيضا ممن يواجه محنة اللجوء أو الخصاصة.
** لوحات جمال
في العراق، شهدت العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، الثلاثاء، تساقطًا للثلوج، في ظاهرة نادرة لم يعهدها المواطنون منذ 12 عاما، وفق هيئة الأرصاد الجوية المحلية.
وتوشحت العديد من المحافظات، منذ ساعات الصباح، بـ”ثوب أبيض”، منها بغداد وبابل وكربلاء والنجف والديوانية بعد تساقط الثلوج فجرًا، فيما سجلت درجات الحرارة انخفاضا كبيرا إلى ما دون الصفر في بغداد وبعض المحافظات.
وغير بعيد من العراق، وتحديدا في السعودية، شهدت الأجزاء الشمالية من منطقة تبوك بالمملكة منتصف الشهر الماضي موجات تساقط الثلوج.
ووصفت وكالة الأنباء الرسمية بالمملكة (واس) ذلك بـ”موجة قطبية” أدت إلى تساقط كميات من الثلوج حيث كسى البياض تبوك (شمال غرب).
واكتست مرتفعات جبال اللوز ومناطق علقان وظهر بمنطقة تبوك بالبياض، مما جعل أهالي المنطقة والزوار يخرجون للنزهة والتقاط الصور ومقاطع الفيديو ونشرها عبر حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.
وباعتباره حدثا غير معهود في المنطقة، تناقل السعوديون صورا ومقاطع للمشاهد الفريدة للثلوج، والتي استقطبت اهتمام المواطنين ممن سارعوا إلى تلك المنطقة لالتقاط الصور والاستمتاع بمناظر الثلج.
وفي مفارقة بدت لافتة، تناقل رواد مواقع التواصل صور الإبل التي يطلق عليها البعض اسم “سفينة الصحراء”، وهي تقف فوق أراضي ناصعة البياض مغطاة بالثلوج المتساقطة، في مشاهد لم تأسر الاهتمام المحلي فقط، وإنما تداولت وسائل الإعلام الأجنبية مقطع فيديو ساحرًا من تبوك لمشاهد تساقط الثلوج إلى جوار الجِمال العربية.
وفي فلسطين، شهدت محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة زخات ثلجية غير تراكمية مساء الإثنين.
كما تساقطت الثلوج على مرتفعات الجولان السورية المحتلة ومرتفعات جبل الشيخ، وتسببت الأمطار والحرارة المنخفضة جدا في انقطاعات التيار الكهربائي بمناطق متفرقة.
أما في الكويت، فبدأت موجة البرد القارس التي حذر منها خبراء الطقس منذ الاثنين، وانخفضت درجة الحرارة بشكل ملموس، لا سيما ليلا.
وقال الخبير الفلكي عادل السعدون في تصريح للأناضول، إن “كتلة الهواء الباردة ستخفض درجة الحرارة إلى درجتين تحت الصفر خلال ساعات الفجر الأولى اليوم الثلاثاء وفي اليومين المقبلين”، متوقعا سقوط رذاذ ثلجي إذا تزامنت الكتلة الهوائية الباردة مع تكاثر الغيوم.
وفي لبنان، هذا البلد الشهير بطبيعته الجبلية في جزء كبير من مساحته، توشح الثلوج قمم جباله ومرتفعاته وتغلفه برداء ناصع البياض يستمر حتى فترات الصيف.
وتتساقط الثلوج في مناطق لبنان الداخلية، بدءاً من مرتفاعات منخفضة قد تبدأ من 500 متر، وقد تلامس سماكة الثلوج الثلاث أمتار في بعض المناطق الجبلية السكنية، وأكثر في المناطق الجبلية العالية والنائية.
وبسبب موقع لبنان الجغرافي وطبيعته المعتدلة، فإنه عادة ما يشهد فصول شتوية مليئة بالعواصف والأمطار والثلوج، وينتظر اللبنانيون تساقط الثلوج كل شتاء، نظرا لمساهمتها في تنشيط السياحة الداخلية الشتوية، وخصوصاً مراكز التزلج في المناطق الجبلية العالية في فاريا عيون السيمان ومنتجع الأرز شمالي لبنان، ومنطقة كفردبيان في قضاء كسروان.
الثلوج تساهم أيضا في زيادة وفرة المياه سواء مياه الأنهار أو الينابيع أو المياه الجوفية، كما يشدد المزارعون في لبنان على أهمية فوائد الثلوج على المزروعات، وخصوصاً زراعة أشجار الزيتون المنتشرة في جنوبي لبنان وشرقه.
فوائد الثلوج في لبنان تشمل أيضا الحقول المزروعة بالحبوب، حيث تسهل عمل المزارعين الذين يعتمدون على ري مزروعاتهم عبر الآبار الارتوازية وغيرها، فالثلوج تساهم في رفع منسوب الأنهر والمياه الجوفية والبرك الصناعية التي تستخدم للزي صيفاً.
وفي الأردن؛ بالجزء الجنوبي من منطقة بلاد الشام، اقتصرت رقعة تساقط الثلوج في المملكة هذا العام على المرتفعات الجنوبية، دون تعطيل سير الحياة اليومية للسكان.
وفي حديث للأناضول، قال حسين المومني، مدير دائرة الأرصاد الجوية بالأردن (حكومية)، إن “الثلوج بالنسبة لنا زائر خفيف الظلّ لا يعطل سير الحياة اليومية”.
من جانبه، اعتبر متحدث الدفاع المدني، المقدم إياد العمرو، للأناضول، أن “الثلوج نعمة من الله عز وجل، ولم نتعامل في مديرية الدفاع المدني لهذا العام مع أي حالات أو حوادث مرتبطة بتساقط الثلوج؛ لأننا لم نشهد حتى الآن غزارة ثلجية كما حدث في الأعوام الماضية (…)”.
وفي وقت تعتبر فيه المملكة من أكثر دول العالم فقراً في المياه، أوضح عمر سلامة، متحدث وزارة المياه والري، للأناضول، أن “تساقط الثلوج يسهم في تعزيز المخزون المائي في البلاد، ما ينعكس بطبيعة الحال على تحسن وارتفاع الإنتاجية الزراعية”.
وأضاف سلامة: “شهدنا هطول الأمطار بغزارة وتساقطا محدودا للثلوج، لكن نسبة المياه كانت جيدة وتبشر بموسم خير إن شاء الله”.
الأمر نفسه عبر عنه عديد من العراقيين الذين عانت بلادهم في السنوات الأخيرة من شح في موارد المياه.
** نقمة
لكن تلك اللوحة الثلجية المشحونة صفاء في نظر البعض وهم يلتقطونها بعدسات كاميراتهم، قد تخفي وجها آخر لا يعرفه إلا من اختبر مراقبة تساقط الثلوج وهو في العراء أو تحت خيمة مشمعة، أو من وجد نفسه محاصرا عاجزا عن سد حاجياته الأساسية.
فلبنان يعاني كل عام من انقطاع أوصال بعض المناطق الجبلية عن العاصمة بيروت بسبب تراكم الثلوج وطبقات الجليد، وخصوصاً منطقة البقاع (شرق)، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات بين مناطق وأخرى وعزلها عن بعضها البعض، وانقطاع التيار الكهربائي.
وقد يتسبب تساقط الثلوج بشكل كثيف في إلحاق الأضرار بالمزروعات، نظرا لتأثيرها السلبي على بعض المزروعات كأشجار الكرز والتفاح والأشجار المزهرة.
وجه قاتم تتجلى ملامحه العابسة أيضا من خلال معاناة اللاجئين السوريين في مخيمات مدينة عرسال، أقصى الشمال الشرقي من محافظة البقاع اللبنانية.
فهؤلاء اللاجئين يستقبلون الثلوج في ظروف متدهورة شديدة القسوة، وهم الذين يعيشون في خيام لا تقاوم المطر والثلج، ما يهدد حياتهم، خاصة الأطفال والمرضى وكبار السن.
وتتصدر مأساة اللاجئين السوريين، منذ سنوات، عناوين وسائل الإعلام اللبنانية والدولية، لكن من دون حلول لهذه الأزمة الإنسانية المتواصلة، فيما زادت موجة الصقيع التي تضرب لبنان من معاناة اللاجئ السوري، في ظل غياب شبه تام لمواد التدفئة، حيث تحاصر الثلوج المخيمات، ما يمنع اللاجئين من التحرك بسهولة.
وضع صعب ترويه قصص مأساوية توثق معاناة يومية من البرد الشديد، رصدته عدسة الأناضول في مخيمات عرسال، هناك حيث يحمل الأطفال ما توفر أمامهم ليشعلونه للتدفئة من مواد بلاستيكة وأكياس، وحتى الملابس والأحذية التالفة.. كل شيء يحرق هناك طمعا في بعض الدفء.