– العطار: عقوبات تعد بمثابة العصا الغليظة الموجهة للشعب
– حسن: لا بد من الشفافية والمصداقية بدلاً من العقوبات
– إبراهيم: إنكار الحقائق ثم الاعتراف بها لاحقاً أفقد السلطة المصداقية
عبر حقوقيون وإعلاميون مصريون عن غضبهم ورفضهم لقرارات النيابة الأخيرة بشأن معاقبة من ينشر أخباراً عن فيروس كورونا دون الرجوع للجهات الرسمية، واعتبروا ما جاء من سجن خمس سنوات أو غرامة عشرين ألف جنيه عقوبة مغلظة، وتمثل سياسة العصا الغليظة من جانب الحكومة للشعب الذي يبحث عن الحقيقة.
وطالبوا، في تصريحاتهم لـ”المجتمع”، الحكومة بمزيد من الشفافية والمصداقية، مؤكدين أن عدم الثقة في الحكومة مرده إلى غياب الشفافية وعدم ذكر الأرقام الحقيقية، وتاريخ السلطة في الكذب وخداع الجماهير في وقائع كثيرة سابقة، فضلاً عن ظهور فيديوهات لأطباء وأقارب مصابين بالفيروس؛ يكشف إهمال الحكومة وعدم اتخاذ ما يلزم على عكس ما تروجه السلطة ووسائل إعلامها.
ومؤخراً، أصدرت النيابة المصرية بياناً طالبت فيه المواطنين بالتزام المصداقية وعدم نشر الشائعات وإنشاء مواقع أو صفحات لهذا الغرض، وإلا يتعرض من يفعل ذلك لحبس يصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه، وجاء في نص البيان: “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تجاوز 500 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل مصري أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها، أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن حرب”.
وأضاف البيان: “إنه انطلاقاً من دور النيابة العامة في حماية المجتمع مما يحيق به، فإن النيابة العامة تناشد والتزاماً من النيابة العامة بأداء دورها، وتطبيقاً لنصوص القوانين؛ فإنها ستتصدى لنشر مثل تلك الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة، إعمالاً لنصوص المواد 80 (د)، و102 مكرر، و188 من قانون العقوبات والتي تعاقب مُخالِفَها بالحبس وبغرامة تصل إلى عشرين ألف جنيه، إذ لن تتوانى النيابة العامة في تطبيق القانون؛ ردعاً لكل مخالف، وحفاظاً على المجتمع من مَغَبَّةِ ذلك الُجرم وما يتبعه من آثار سلبية تطال جموع الشعب”.
سياسة العصا
وفي سياق تعليقه على هذه العقوبات، قال المحامي والباحث الحقوقي أحمد العطار: إن البيان الأخير الذي أصدرته النيابة العامة جاء لتكريس سياسة العصا الغليظة وتكميم الأفواه، وتجبر وتسلط السلطات التنفيذية على حقوق المواطنين من خلال عدم احترام مواد الدستور والقانون، ففي ظل الأوقات العصيبة التي تمر بها الدولة المصرية من حيث غياب الوعي المجتمعي وطبيعة المجتمع المصري الذي يفتقد حقيقة الوعي بالمخاطر والواقع الملموس الذي يعيشه المواطن في الشارع أو في المراكز والمستشفيات المنتشرة في محافظات مصر المختلفة الذي يخالف ما تنشره وزارة الصحة من بيانات من جهة وغياب الشفافية والتشكيك فيما تصدره وزارة الصحة المصرية من بيانات وتعليمات من جهة أخرى.
وأضاف العطار لـ”المجتمع”: مؤخراً وجدنا العديد من الاستغاثات من قبل أطباء أو أطقم تمريض في أماكن ومحافظات مختلفة تم إرسالها عبر فيديوهات تحذر من وقوع كارثة في مكان ما، وللأسف بدلًا من أن تقوم الدولة المصرية بدراسة وبمعالجة هذه الاستغاثات وجدنا رد فعل معاكساً بالمرة، باستخدام بيان النيابة لإسكات هذه الأصوات، تارة بالتهديد بالحبس وبالغرامة، وتارة أخرى بالفصل التعسفي من أعمالهم؛ لتستمر المأساة التي يدفع ثمنها أبرياء بدلًا من محاسبة المخطئين والمتسببين الأساسيين في هذه المأساة، كما حدث مؤخراً بحبس فتاة مصرية نشرت فيديو لاستغاثة ممرضات دمياط أصبن بوباء كورونا، فبدلًا من معالجة الموقف والحد من انتشار السلبيات والمخاطر، يتم الحبس والعقاب، ومن هنا يجب على الدولة المصرية للخروج من أزمتها الحالية بخسائر أقل أن تزيد الوعي المجتمعي بمخاطر المرحلة بدلًا من استخدام العصا الغليظة وتكميم الأفواه.
وأكد أن الوعي المجتمعي وإدراكه بحقيقة المخاطر والواقع يعد من أهم الأسباب الرئيسة لتقليل الخسائر وتجاوز العقبات مهما كانت نتائجها، والاستفادة من تلك التجارب مستقبلًا، ففي ظل صعوبة المرحلة الحالية وخطورتها فهي بالتأكيد تستطيع أن تحدد نجاح أو فشل الدول في إدارتها، وخاصة في ظل احترام مواد الدستور والقانون وحقوق المواطن في معرفته بالحقيقة، وذلك من خلال الشفافية المعقولة والمطلوبة لتوعيته التوعية التي تمكنه من إدراك خطورة المرحلة التي لا تتنافى مع متطلبات الأمن القومي.
وأنهى كلامه بالقول: لهذا، ومن خلال ما تم رصده خلال الفترة الماضية نستطيع أن ندرك وبوضوح مقدار غياب الشفافية والمصداقية فيما تصدره أجهزة الدولة المصرية من بيانات وأرقام عن أعداد المصابين والمتوفين بفيروس كورونا التي لاقت استهجانًا من قطاع مهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم اقتناع أعداد من المواطنين بتلك التصريحات والبيانات؛ مما أدى إلى محاولة المواطنين إيجاد مصدر بديل للمعرفة تمكنهم من معرفة ما يحدث حولهم، سواء كانت تلك المعلومات صحيحة أو غير صحيحة.
غياب الشفافية
أما المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات هبة حسن فتقول: للأسف الشديد غياب الشفافية من الدولة ومؤسساتها وحالة الفزع الحاصلة، سبب رئيس في انتشار وتناقل الشائعات، وذلك أمر طبيعي في كل المجتمعات، ويفترض أن التعامل الطبيعي وإعلان إحصاءات ومصارحة المواطنين بالحقائق، كما يقوم قادة وحكومات الدول الأخرى، يقلل من تبادل أي معلومات خاطئة، ويغلق باب إثارة الهلع والفزع في المجتمع الذي يؤثر سلباً على المجتمع وقدرته على مواجهة الأزمة ويزيد من أضرارها.
وأضافت لـ”المجتمع”: وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن الدولة عندما ضاعفت عقوبات نشر الشائعات لم تقم بذلك بشكل صحيح لمقاومة الشائعات فعلاً، لكنها تحولت إلى سيف مصلت على رقبة كل من ينشر حقائق أو أخباراً تفضح قصور التعامل مع الأزمة، أو تنقل حقيقة وواقع أداء الحكومة، فبدلاً من التعتيم الذي تقوم به الحكومة كما مع حدث مع طبيب مستشفى أسيوط الذي كتب عن تعامل الإدارة الصحية مع حالة اشتباه وسوء التعامل معها، عليها أن تكشف الحقائق بكل شفافية.
الحقيقة الغائبة
وعلق الإعلامي والباحث مصطفى إبراهيم بالقول: إن الظروف الحالية لا يناسبها فرض العقوبات ولا تكميم الأفواه، ولا مصادرة الآراء، بل تحتاج إلى مصارحة الشعب بالحقيقة، ونشر روح التعاون والتضافر لمواجهة جائحة فيروس كورونا، مؤكداً أن غياب الشفافية من قبل النظام الحاكم بمصر حالياً هو الذي يساهم في قيام الأشخاص بنشر المعلومات عن الفيروس والإحصائيات بمصر لتأكدهم من كذب النظام وعدم مصداقية الأرقام والإحصاءات عن الوباء، ناصحاً السلطة الحالية بمصر إلى الاقتداء بالدول المحكومة من أنظمة منتخبة، ولذلك تصارح شعوبها بالأرقام الحقيقية كل يوم، بل وتصدر بيانات بتطورات الأوضاع للميكروب أحياناً أكثر من مرة في اليوم، ولا تخفي الحقيقة أو تنسب لإدارتها إنجازات وبطولات وهمية كما يفعل النظام الحالي بمصر.
وأشار إبراهيم لـ”المجتمع” إلى تضارب تصريحات الهيئات والمؤسسات في مصر بشأن أرقام الإصابات بالفيروس، ومعدلات انتشار العدوى وتكذيب بيانات لجهات دولية متخصصة، وأيضاً نفي النظام إصابة لواءات وقيادات بالجيش على خلاف الحقيقة، وهو ما اضطر النظام للإعلان عن وفيات لرتب عليا وقيادات بالجيش المصري بعد ذلك، والادعاء أنهم كانوا يشاركون في مكافحة الفيروس بالمخالفة للحقيقة أيضاً، استكمالاً لأكاذيب السلطة الحاكمة في مصر حالياً، على حد وصفه.
وأشار إلى أن أقارب اللواءات خرجوا بعد ذلك وكذبوا بيانات النظام الحاكم، مضيفاً أنه تم تسجيل حالات عديدة أجريت لها التحليل في مستشفيات حكومية وجاءت إيجابية، وتلك الحالات ماتت على إثر الإصابة بالفيروس، ورغم ذلك نفت وزارة الصحة إصابتها أو موتها بكورونا، وكذبت نتائج تحاليل صدرت من مستشفيات حكومية مصرية.
ودعا إبراهيم السلطة المصرية إلى اتباع المصداقية والشفافية بشأن الأرقام الحقيقية للإصابات والوفيات ومعدلات الإصابة لكي يقدر الشعب حجم الجائحة ومخاطرها الحقيقية، وبالتالي يسهم بشكل جدي في مكافحة الفيروس ويستجيب بدرجة أعلى لنصائح الأطباء والمختصين ويتعاطى بإيجابية مع الإجراءات المعلن عنها من قبل السلطة المصرية الحالية.