– صفقة سياسية عقدتها الأطراف وراء الكواليس قائمة على توزيع المناصب الحكومية وفق المرجعية الطائفية
– اتهام الكاظمي بالتورط في اغتيال قائد فيلق القدس التحدي الأخطر الذي يواجهه في مهمته
– كركوكي: الكاظمي نجح خلال رئاسته للاستخبارات العراقية بتحقيق التوازن بين مصالح الأمريكيين والإيرانيين
توصلت القوى السياسية الشيعية العراقية إلى توافق بينها على ترشيح مدير المخابرات مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة الجديدة، خلفاً لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي من منصبه نهاية ديسمبر 2019 بفعل الاحتجاجات الشعبية التي خرجت للمطالبة بمكافحة الفساد والترهل في الدولة.
وتسببت استقالة عبدالمهدي بخلافات حادة بين الكتل الشيعية، التي يخولها العرف السياسي المعمول به منذ احتلال العراق عام 2003، باختيار رئيس الوزراء في إطار المحاصصة الطائفية، وهو ما أدخل البلاد في أزمة سياسية حادة، أدت إلى إقدام رئيس الجمهورية برهم صالح على تكليف النائب السابق عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، وهو ما أغضب القوى الشيعية التي اتهمت صالح بالسعي لتجاوزها، وهددت فصائل مسلحة مرتبطة بها بالتدخل في حال استمرار تكليف الزرفي بتشكيل الحكومة.
توافق أم صفقة سياسية؟
شهد قصر السلام الرئاسي في العاصمة بغداد، أول أمس الخميس، حضور عدد كبير وغير مسبوق من قادة الكتل السياسية، أبرزهم زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، وزعيم تحالف “النصر” رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وزعيم “تيار الحكمة” عمار الحكيم، وزعيم تحالف “عطاء” فالح الفياض، إلى جانب حضور رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان، لمراسم تكليف الكاظمي.
مصدر سياسي مطلع كشف لـ”المجتمع” عن أن هذا الحضور اللافت الذي يمثل الطيف السياسي الواسع جاء نتيجة صفقة سياسية عقدتها الأطراف وراء الكواليس، قائمة على توزيع المناصب الحكومية وفق المرجعية الطائفية التي تأسس عليها الحكم منذ عام 2003.
وأضاف المصدر، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن “عملية إخراج الحكومة الجديدة ستكون على أنها تتوافق مع مطالب المتظاهرين، الذين يطالبون بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيداً عن المحاصصة السياسية”، مشيراً إلى أن “الأحزاب اتفقت على أن تقدم للكاظمي أكثر من مرشح لشغل الوزارات من غير المعروفين حزبياً، ليكون له الحرية في الاختيار بينهم”.
وتحدث عن أن “الكاظمي تعهد بتقسيم المناصب في حكومته بشكل يرضي الجميع، وسيحصل تحالف سائرون بناء على ذلك على منصب أمين بغداد ومحافظ البنك المركزي، وعدداً من الوزارات السيادية”.
وتابع المصدر أن “تحالف النصر الذي قبل بسحب تكليف مرشحه الزرفي، سيأخذ منصب نائب رئيس الوزراء، بالإضافة لوزارتي العمل والشؤون الاجتماعية والنقل والموارد المائية، من باب الترضية”.
واستدرك بالقول: إن “تحالف الفتح سيحصل على منصب نائب رئيس البرلمان، ووزارات الداخلية والثقافة والاتصالات، بالإضافة لعدد من المناصب التنفيذية المهمة”، مؤكداً أن “ائتلاف دولة القانون سيحصل على منصب نائب رئيس الجمهورية لزعيمه نوري المالكي، بالإضافة لوزارتي التعليم العالي والإعمار والإسكان”.
يشار إلى أن اسم الكاظمي طرح سابقاً كمرشح لرئاسة الوزراء، إلا أنه كان مرفوضاً من قبل القوى السياسية الشيعية، وخصوصاً الفصائل المسلحة التي تتهمه بالتورط بالترتيب لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، في يناير الماضي، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما نفاه جهاز المخابرات حينها، واعتبر الاتهامات تهديداً للسلم الأهلي.
تحديات أمام الكاظمي
ويعتبر مراقبون أن اتهام الكاظمي بالتورط في اغتيال قائد فيلق القدس التحدي الأخطر الذي يواجهه في مهمته، إذ إن تحقيق الموازنة بين قطبي التأثير في الساحة العراقية، واشنطن وطهران هو من أكثر الأمور تعقيداً أمام من يتصدى لهذه المهمة.
ويقول المحلل السياسي العراقي أسو كركوكي، بهذا الخصوص: إن “اتهام الكاظمي بأنه كان على علم بالضربة الأمريكية التي استهدفت قاسم سليماني دفعته لزيارة لبنان والاجتماع بقيادات في حزب الله، بحسب ما ذكرت “وكالة الصحافة الفرنسية”، التي أشارت إلى أنه قدم تطمينات حول حيادية الاستخبارات العراقية”.
وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”، أن “الكاظمي نجح خلال رئاسته للاستخبارات العراقية بتحقيق التوازن بين مصالح الأمريكيين والإيرانيين، وهو توازن مطلوب لتحقيق الاستقرار في المرحلة المقبلة”، مشيراً إلى أن “ما ساعده في ذلك هو خلفيته الاستخباراتية والأكاديمية، وهو إلى جانب ذلك كاتب ورئيس منظمة حقوقية في أوروبا عندما كان معارضاً للنظام السابق”.
وتابع كركوكي: “هذا الأمر سيجعل أمام حكومة الكاظمي تحدياً صعباً يتعلق بالسياسة الخارجية للعراق، لا سيما ما يتعلق بمطلب سحب القوات الأمريكية من البلاد الذي تطالب به القوى السياسية والمسلحة الموالية لإيران، فيما تعتبر هذه الخطوة من أخطر التحديات التي تواجه الحكومة، نظراً للالتزامات التي تكبل العراق خصوصاً في المجال الاقتصادي”.
ونوه إلى أن “هناك إلى جانب ذلك تحديات على الصعيد الداخلي أهمها تنظيم السلاح غير الخاضع للحكومة، ومعالجة ملف ضحايا المظاهرات والمغيبين والمعتقلين، إلى جانب الوضع الاقتصادي الغير مستقر في ظل تراجع أسعار النفط”.
من هو الكاظمي؟
مصطفى عبداللطيف الكاظمي، من مواليد بغداد عام 1967، وينحدر من محافظة ذي قار جنوبي العراق، يحمل شهادة بكالوريوس في القانون.
غادر العراق عام 1985، وانخرط في صفوف المعارضة لنظام صدام حسين، وعمل في مجال قضايا الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، واكتسب خبرة في مجال توثيق الشهادات الحية، وأرشفة الأفلام الوثائقية المرتبطة بالممارسات القمعية.
اختير عام 2000 من قبل الاتحاد الأوروبي كأفضل كاتب ضمن فئة اللاجئين السياسيين.
عاد إلى العراق عام 2003 وعمل رئيساً لتحرير مجلة “الأسبوعية” التي كان يملك امتيازها رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح، ثم اشتغل كاتباً ومديراً لتحرير قسم العراق في موقع “مونيتور” الأمريكي.
وفي يونيو 2016، عينه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مديراً عاماً لجهاز المخابرات، إبان سيطرة “تنظيم الدولة” على مدن في شمال العراق وغربه.