يقول كثير من المسلمين والمسيحيين واليهود حول العالم إنهم لم يشهدوا مواسم دينية شبيهة بما يعيشونه هذه الأيام، في ظل تفشي جائحة كورونا والتدابير الاحترازية التي غيّرت كثيرا من العبادات والطقوس الدينية للمتدينين من أبناء الأديان المختلفة.
فطوال قرون عديدة كان المسلمون يصلون الصلوات والجُمع في المساجد ويحجّون ويعتمرون في مكة، واحتفل المسيحيون طويلا بيوم “الجمعة العظيمة” الذي يسبق “سبت النور” أو ما يعرف بـ”القيامة”، ويليه عيد الفصح المجيد حيث تحتفل الطوائف المسيحية به يوم الأحد القادم. لكن ما جرى هذا العام يبدو مختلفا للغاية، إذ لم يهرع الناس إلى أماكن العبادة في وقت المحن كما هو معتاد.
وقالت صحيفة “إيكونوميست” البريطانية إن من المستحيل تأدية طقوس الواجب الديني في عيد الفصح المسيحي ويوم الجمعة العظيمة هذا العام، وبدلا من ذلك، سار بابا الفاتيكان فرانشيسكو في ساحة القديس بطرس الفارغة.
بعد ذلك بيومين -تحديدا يوم 12 أبريل- وبدلا من الإعلان عن “قيامة المسيح” للجمهور، سيقوم البابا بذلك وحده تقريبا في باسيليكا شاسعة، ويمكن للملايين مشاهدة الحدث، لكن إلكترونيا فقط.
وأضافت الصحيفة أن حالات الطوارئ السابقة من فترات الركود والحروب، دعت الناس إلى إيجاد معنى جديد في العبادات، لكن الجائحة جعلت من تجمعات العبادة خطرا عاما، واتخذت الحكومات المختلفة تدابير وقائية، وتراوحت ردود الأفعال لدى المتدينين بين الامتثال والاستجابة والتحدي الصارخ.
استجابات متباينة
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى صعوبة امتثال بعض المتدينين ورجال الدين لإجراءات الوقاية من الجائحة. فقد أعلن البطريرك الأرثوذوكسي الروسي كيريل في 29 مارس: “لقد كنت أعظ منذ 51 عاما. أتمنى أن تفهموا مدى صعوبة القول: امتنعوا عن زيارة الكنائس”.
في المقابل، لن يقبل أتباع المسيحية الشرقية فعل ذلك، حيث استمر رجال الدين في جورجيا -على سبيل المثال- في تقديم الخبز والنبيذ للمؤمنين، مصرّين على أن ذلك لن يضر أحدا.
وأوضحت الصحيفة أن بعض الإنجيليين الأميركيين -بمن في ذلك مؤيدون للرئيس الأميركي دونالد ترمب- كانوا يرفضون الاعتراف بالفيروس رفضا قاطعا.
وقد قُبض على رودني هوارد براون -وهو واعظ في فلوريدا- لفترة وجيزة في 30 مارس ، بعد إصراره على حشد الناس للعبادة، وأصرّ على أنه يستطيع تحييد الفيروس. بعد ذلك بيومين، أدرج حاكم الولاية رون ديسانتيس الأنشطة الدينية ضمن “الخدمات الأساسية” التي يمكن أن تستمر دون حشود على الرغم من الإغلاق.
وأوردت الصحيفة أن غضب المجموعات العلمانية تزايد منذ أن رُبط انتشار الجائحة “بالتهور الديني”.
وفي كوريا الجنوبية، أصيب المئات من أعضاء كنيسة شينتشونجي السرية بالفيروس ونشروه، وتشكّت الحكومة من أن الكنيسة لم تتعاون في تعقب المصابين.
من ناحية أخرى، ساعد اجتماع ديني كبير في ماليزيا في فبراير الماضي، على انتشار الفيروس في البلد ذي الغالبية المسلمة بشرق آسيا.
وفي أماكن أخرى، استجاب رجال الدين الليبراليون والحاخامات والأئمة للمطالبات بتعليق التجمعات، ولكن يبدو أن وقف الطقوس العزيزة على عامة الناس والمتدينين هو بمثابة مؤامرة مظلمة لهم، حيث ارتفعت الشعارات الرافضة لهذه القرارات في أوروبا الشرقية، ومن بينها شعار “حتى الشيوعيون لم يمنعوا بشكل كامل احتفالات عيد الفصح”.
أما بالنسبة لمن يدينون باليهودية، فقد استجاب كثيرون منهم لدعوى عدم التجمع، ومع ذلك فقد رفض يهود “إسرائيل” المتدينون المعروفون باسم “الحريديم” الأمر بشدة، وكان معقل الحريديم في بني براك بالقرب من تل أبيب بؤرة انتشار لفيروس كورونا، فقد أصر هؤلاء على التجمع للصلاة وإقامة حفلات الزفاف والجنازات، وتحدّوا إجراءات الإغلاق.
تحديات كبرى
في المقابل، اعتبرت الصحيفة أنه في العراق -حيث تسيطر الدولة على الدين بشكل عام كما هو الحال في دول الخليج- امتثل الناس لأوامر تعليق صلاة الجمعة، وطالبت السلطات السعودية الحجاج بتأجيل أي خطط للحج هذا العام (في يوليو)، ولكن عندما سيبدأ شهر رمضان في أواخر أبريل، ستكون هناك تحديات تتعلق بالتجمع للإفطار وصلاة التراويح.
أما في إيران التي تُعدّ من أول الدول التي أُصيبت بالفيروس وأكثرها تضررا منه، فتتمتع السلطات الدينية بالسلطة المطلقة، وتجدر الإشارة إلى أن المعارضين الليبراليين والعلمانيين انتقدوا قرار السلطات الإيرانية المتخذ في 16 مارس الماضي، بتعليق زيارة “الأماكن المقدسة”، واعتبروا أنه متأخر للغاية.
وذكرت الصحيفة أن الهند واحدة من الأماكن العديدة التي يجب أن يتعاون فيها السياسيون مع القوى الدينية. ففي مدينة أيوديا التي يُدعى أنها مسقط رأس “الإله راما”، حاول المسؤولون الحد من الاحتفالات بالإله الهندوسي، لكن في نهاية المطاف تُرك الأمر للمنظمين الهندوس لتشجيع السكان على التقيد بمنازلهم، والذين أطاعوا الأوامر على مضض.
ويقول تقرير الصحيفة الأميركية إن رد فعل الكنيسة الكاثوليكية يبدو مختلفا للغاية عن رد الفعل القديم الذي اضطهد علماء الفلك سابقا، لكن يرى بعض النقاد -بما في ذلك الكاثوليك الأميركيون المحافظون- أن رد الفعل “الصبور” على هذا الكيان السياسي يُظهر ضعف الكنيسة.
الفقه الإسلامي
وأوضحت الصحيفة أن صمود الأديان قد يعتمد في النهاية على إيجادها طريقة تشرح بها لأتباعها -بعباراتها الخاصة- لماذا يكون واجبهم الروحي الآن هو تعليق الشعائر.
وفي شأن ذي صلة، يلاحظ الباحث شادي حميد من معهد بروكينغز أن الفقه الإسلامي يقبل بأولوية حفظ بقاء الإنسان على غير ذلك من المعايير الأخرى؛ إذ يمكن للمسلم أن يأكل لحم الخنزير المحرم بدل التضور جوعا.
ومن جهته، يقترح القسيس الكاثوليكي الراديكالي جيمس أليسون حلا غير معتاد، إذ يشجع الأسر على ممارسة العبادة (المسيحية) في المنزل.
وفي مقاله بموقع ميدل إيست آي الذي جاء بعنوان “فيروس كورونا والإسلام.. كيف يمكن أن يتعايش المسلمون مع الوباء؟”، أشار الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة تورنتو محمد فاضل إلى أن الفقهاء المسلمين وضعوا قواعد معينة في حالات الطوارئ، تهدف إلى حماية الأرواح وتقليل الخسائر الاقتصادية.
وأكد على ضرورة أن تأخذ الدول الإسلامية على عاتقها تعزيز روابط التضامن المتبادل في هذه الفترة العصيبة، وذلك من خلال تبادل الخبرات والموظفين والمعدات والمساعدات المالية في مجال الصحة العامة.
وختم فاضل مقاله بأن هذا الوباء لن ينتهي قريبا، وأن على المجتمع الإسلامي العالمي وقادته السياسيين اتباع سياسات تعطي الأولوية لإنقاذ الأرواح على الربح، مع التأكيد على قيمة التضحية الاقتصادية المشتركة، “وبمشيئة الله يمكن أن يقلل العالم الإسلامي الخسائر الحتمية التي ستنجم عن هذا الوباء”.