حول تطورات قضية «سد النهضة» الإثيوبي وتأثيره على مصر، وتغير موازين القوى في المنطقة، وأوضاع مصر في القارة الأفريقية بشكل عام، وإدارتها لملف السد بشكل خاص، وموقف السودان تجاه قضية مياه النيل، والأوراق الدبلوماسية والخيارات العسكرية في قضية السد؛ أجرت «المجتمع» هذا الحوار مع د. عصام عبدالشافي، مدير المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة صقاريا التركية.
برؤيتك للموقف الإثيوبي، هل ينجح الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن بإلزام إثيوبيا باتفاق شامل، والنجاح فيما فشلت به واشنطن؟
– لا أعتقد أن ذلك أصبح ممكناً الآن؛ لأن إثيوبيا انتهت بالفعل من الجزء الأكبر من مشروع «سد النهضة»، كما أنها قد تكون بدأت الآن في عملية الملء للتشغيل؛ وبالتالي أمر السد أصبح واقعاً لا مفر منه، إلا إذا حدثت اعتبارات أخرى خارجة مثل عمل عسكري، لكن وقف المشروع من خلال المفاوضات أصبح مستحيلاً تقريباً.
لِمَ لمْ تلجأ مصر للاتحاد الأفريقي ورغبت بـ«تدويل» القضية من البداية؟
– هناك خلل كبير في مفهوم «التدويل»؛ لأن القضية منذ بدايتها قضية دولية، لأنها بين مجموعة من الأطراف كل منهم يتمتع بسيادة دولية وقانونية على أراضيه وحدوده، وبالتالي هي قضية دولية، ولكن مصر منذ عام 2015م بعد التوقيع على «إعلان المبادئ»، دخلت في مفاوضات لمدة 5 سنوات لم تنجح خلالها؛ رغم أن مصر كانت ترأس الاتحاد الأفريقي عام 2019م، لكن فشل الاتحاد في التعامل مع الأزمة، وفشلت السياسة الخارجية المصرية في التعاطي بفاعلية مع الأزمة عبر المنظمات الإقليمية، بل إنه عندما لجأت مصر إلى جامعة الدول العربية سارعت إثيوبيا أيضاً بتوجيه الاتهامات لمصر، والحديث عن أن هناك عرباً في مواجهة أفارقة، ولذلك صارت أزمة داخلية.
أيضاً من المهم الإشارة إلى أن اللجوء إلى مجلس الأمن لا يعني بأي حال من الأحوال أن الاتحاد الأفريقي يجب أن يعترض أو يتحفظ على مناقشة هذه الأزمة؛ لأن مجلس الأمن من صلاحياته أن يحيل الأزمة إلى المنظمات الإقليمية، ومنها الاتحاد الأفريقي، كما أن ذلك لا يلغي دور مجلس الأمن في مناقشة الأزمة في أي وقت من الأوقات، والتدخل في إدارتها في أي مرحلة من المراحل، ومع أي طرف من الأطراف التي تلجأ إليه؛ لأن المادة (54) من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أن قيام المنظمات الإقليمية بالنظر في النزاعات الدولية لا يلغي اللجوء لمجلس الأمن، ولا يلغي دور مجلس الأمن بإدارة هذه الأزمات.
لماذا تتعثر مصر في إدارة هذا الملف المصيري؟
– تعثرت لعدة اعتبارات، أبرزها الخطأ الكبير بالتوقيع على «اتفاق المبادئ»، في 23 مارس 2015م، الذي أعطى شرعية لمشروع السد، هذه الشرعية هي التي مكّنت إثيوبيا من اللجوء إلى المنظمات التمويلية الدولية مثل البنك الدولي للحصول على مساعدات كبيرة، بجانب أنها توسعت في التواصل مع عدد من الأطراف الإقليمية والدولية للحصول على المزيد من الدعم.
بعد تصريح السودان أنه أول المستفيدين من السد، كيف ترى موقفه؟
– موقف السودان المضطرب ينبع بدرجة أساسية من التحولات السياسية التي شهدها في السنوات الخمس الأخيرة، وما تعرض له من سقوط نظام عمر البشير؛ حيث إنه في عهد البشير الذي شهد توقيع «إعلان المبادئ» عام 2015م، كان السودان يرتبط بعلاقات سلبية مع مصر عام 2013م، وهناك خلافات سياسية بين الطرفين.
وبعد التحولات السياسية التي شهدها السودان عامي 2018 و2019م، وسقوط نظام البشير، اختلفت الأوضاع، وأصبح السودان يناور أيضاً باستخدام ملف «سد النهضة» بشكل لا يستطيع فيه حسم موقفه؛ هل هو وسيط، أم طرف متضرر باعتبار السودان دولة مصب!
فغياب الرؤية عند السياسيين السودانيين وخوفهم من التدخلات الإثيوبية في مناطق شرق السودان وجنوبه، وخوفهم أيضاً من تدخلات مصر في شمال السودان؛ هو ما يقف وراء هذا الموقف المضطرب.
الإشكال الآخر أن هناك فجوة حقيقية بين آراء ومواقف سياسيين في السودان، ومواقف الخبراء السودانيين، وتحديداً عدد من المهندسين وأساتذة القانون الدولي السوداني، الذين يؤكدون أن «سد النهضة» يشكل كارثة حقيقية للسودان، وقد وضحت هذه الآثار فعلياً بعد قيام إثيوبيا بالملء المبدئي للسد.
من الواضح أن هناك تغيراً في موازين القوى داخل القارة الأفريقية، كيف ترى تأثير هذا التغير على مصر عموماً، وإدارتها لملف السد خصوصاً؟
– هناك تغير حقيقي في موازين القوى بالفعل، هناك صعود كبير في دور إثيوبيا خلال السنوات العشر الأخيرة في شرق القارة الأفريقية، هذا الصعود لا يرتبط فقط بمشروع السد، لكن بمعدلات نمو اقتصادي عالية، وبالاهتمام الكبير بالبنية التحتية في الدولة الإثيوبية، بتغير في أوضاعها السياسية بدرجة كبيرة، وبدخول عدد من القوى الدولية والإقليمية لتوفير الدعم الكبير لإثيوبيا وللاستثمار بها، وهذا ما انعكس على مكانتها في شرق القارة الأفريقية، وأصبح يُنظر إليها على أنها تُشكل أحد النمور الأفريقية القادمة من الناحية الاقتصادية.
في المقابل، مصر منذ عام 2013م فقدت دورها الأساسي داخل القارة الأفريقية، وهو ما انعكس على فشلها في إدارة ملف «سد النهضة»، ليس فقط بعد توقيع «إعلان المبادئ» في عام 2015م، ولكن منذ عام 2011م عندما بدأت إثيوبيا في تشييد السد، في الوقت الذي كان المجلس العسكري هو المسؤول عن إدارة شؤون البلاد بعد ثورة 25 يناير.
ما الأوراق الدبلوماسية التي تمتلكها القاهرة للضغط على أديس أبابا، بعد التصعيد الأخير لمجلس الأمن؟
– هناك عدة أوراق دبلوماسية وإجراءات تصعيدية؛ منها إعلان إلغاء الالتزام بـ«اتفاق المبادئ» عام 2015م، على أن تستند في ذلك إلى الخروقات الكبيرة التي قام بها الجانب الإثيوبي سواء في عملية التفاوض أو التشغيل، أو لعدم التزامه بتقارير اللجان الدولية، كما يمكن فرض نوع من العقوبات السياسية والاقتصادية مثل سحب السفير، أو التهديد بقطع العلاقات السياسية، والتهديد بقطع التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، وكذلك ورقة شركات الطيران الإثيوبية وإمكانية استخدامها للمجال الجوي المصري.
كما أن المزيد من التنسيق السياسي والإستراتيجي مع الدول الداعمة لمشروع «سد النهضة»، يمكن أن يشكل ورقة من أوراق الضغط، وأيضاً التأثيرات السلبية للسياسة الإثيوبية في المنطقة سواء في الصومال أو السودان أو إريتريا يمكن أن يشكل أوراق ضغط للجانب المصري، بتعزيز علاقاتها مع دول الجوار الإثيوبي.
كيف ترى الخيار العسكري لحسم القضية؟
– من الأمور المهمة التأكيد على أن العلاقات بين الدولتين؛ مصر وإثيوبيا، والشعبين كذلك، هي علاقات تاريخية وإستراتيجية، ولا يجوز المساس بها، لذلك يجب عدم طرح الخيار العسكري في التعامل مع مشروع «سد النهضة»؛ لأن هذا المشروع أصبح مشروعاً وطنياً وقومياً إثيوبياً، وتهديده أو استهدافه يمكن أن يؤثر في العلاقات التاريخية؛ لأن في النهاية إثيوبيا ترتبط بمصر والسودان ارتباطاً إستراتيجياً، وقضية المياه هي قضية أمن قومي للدولة المصرية بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم في مصر.