قبل فترة، كتبتُ في هذا الموضوع الحساس والدقيق “الحقد والحسد”، وبيَّنت فيه ما قدرني ربي بيانه، وها أنا أحاول أن أحذر منه مرة أخرى؛ وذلك لما أراه من أمور في الساحة بعد الانتخابات، ولغط غريب حول الانتخابات والمناصب وما يدور من قيل وقال فيه الكثير والكثير من الزيف والكذب؛ لا لشيء إلا حسدًا وحقدًا على من نراهم خيرًا من غيرهم.
الحسد والحقد منهج فاعل ومرض!
هي ليس أحجية أو أغطية؛ نعم ليست أحجية، فالحسد والحقد منهج الشيطان الرجيم ومنهج فاعل شيطنة، وهو محور نشاط الشيطان ومنهجه، ومن ثم من خلال هذا المنهج وآلياته يغوي ولد آدم الذي بالأصل حسد وحقد على أصله وأبيه “آدم” منذ بداية الخليقة، وهو لا شك مرض خطير ووضيع في حال إصابته الإنسان، فهو مرض خطير يهوي بالإنسان إلى وحل السوء بكل معنى الكلمة، وهو في الغالب لا يصيب إلا ضئيل التربية صاحب التعالي والغرور، ولا شك في أنه مرض خطير، وقد حذرنا منه الله تعالى بمواقع كثيرة في كتابه العظيم وأهمها وأوضحها سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ {2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ {3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ {4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}).
منهج الحسد الشيطاني لا شك يتبناه أهل الشرك والكفر ولا يغرنك ادعاءهم السماحة والإنسانية، إلا من رحم ربي.
قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) (البقرة: 109)، نعم حسدًا كما حسد سيدهم وإمامهم الشيطان الرجيم أبونا آدم عليه السلام، وقال تعالى مبيناً حسدهم ومنهجهم الشيطاني: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء: 54).
ولا شك أن أمراض الجسد عديدة، منها البسيط اليسير ومنها الخطير، أما أمراض القلوب فنادراً ما تكون سهلة يسيرة بسيطة، والحسد والحقد من أمراض القلوب الخطيرة على الإنسان لأسباب عديدة، وأهمها وأخطرها أن صاحب القلب المريض هذا قد انتهج منهج الشيطان الرجيم حقدًا وحسدًا لرضا الشيطان وإسعاده علم بذلك أو لم يعلم، وهذا المرض كما بيَّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في روايات عديدة لا يؤدي إلا إلى الهاوية، وأنه حالق الحسنات، كما قال صلى الله عليه وسلم: “إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار”، وهذا الحديث يدل على أن هذا الإنسان نعم عمل بعمل أهل الجنة ظاهرًا إلا أن قلبه لم يكن في عمله خالصًا، وفيه الشوائب الكثيرة والأمراض الخطيرة مثل الحقد والحسد وثمارها ثمار السوء! والحسد كما هو معلوم، بذل الجهد والعمل على زوال نعمة المقابل حتى وإن لم يحصل عليها الحاسد، نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.
تجد الحاسد غضوب بلا سبب يلوم ويعتب كأنه معصوم
ويلوكُ المحسودَ حقدًا ولا عجب حاقد حاسد في الكتاب مذموم
والحسد والحقد له أسباب تربوية وخلقية، ومن أهم أسبابه التعالي والكبر؛ وأيضًا من أسبابه الغيرة وحب الظهور والشهرة والسعي الدنيوي خلف المال والمناصب، وقال العلماء: “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى الغيبة في المحسود وشتمه، وقد يتلف ماله أو يسعى حتى لهتك عرضه وسفك دمه ومن ثم الخسران في الآخرة”.
وقد حذرنا الله تعالى كما أسلفنا من هذا المرض، وأيضًا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حذرنا أشد تحذير من هذا المنهج الإبليسي -الحقد والحسد- وبين أنه محراث الحسنات وتلاشيها قال صلى الله عليه وسلم: “إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.
لا شك الحسد وليد الحقد، وهو محرم ومنهي عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا..”، وكما جاء في الأثر: الكبر والحسد أول الذنوب وأول مناهج العصيان لرب العالمين، بل هو أصل وبداية المعاصي في الكون والخليقة.
_______________
إعلامي كويتي.