لم يتخيل فريد سليم الذي يعمل إمام مسجد في فرنسا منذ 20 عاماً أن ما كان يعلّمه للناس من ضرورة الاعتزاز بحرية الرأي والتعبير سيكون سبباً في جره إلى ساحات القضاء.
سليم يمْثَل، حالياً، أمام القضاء بتهمة “الترويج للإرهاب”؛ لأنه فقط مارس حقه في التعبير عن رأيه، وقال: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان أكثر نجاحاً من نظيره الفرنسي مانويل ماكرون في التعامل مع وباء كورونا.
أحاكم لأني أشدت بالرئيس أردوغان
وقال سليم في حديث لـ”الأناضول” عقب جلسة المحكمة: إن الشرطة داهمت منزله، وقامت بتفتيشه، وأخبروه أنه متهم بالترويج للإرهاب، وتهديد فرنسا.
وأفاد سليم بأن الشرطة فحصت هاتفه وأجهزة الكمبيوتر الخاصة به وبزوجته أثناء تفتيش المنزل، ولم يعثروا على أي شيء يتعلق بالإرهاب أو يُعد تهمة ما، كما ورد في تقرير الشرطة.
وأضاف سليم: لم تجد الشرطة ما يمكنها اتهامي به، فلماذا تتم محاكمتي؟ أنا متهم بالتعبير عن رأيي مثل أي مواطن فرنسي، أين هي حرية التعبير؟
وقال: أنا الآن متهم بالتصرف بشكل “غير لائق” كمواطن فرنسي، وبتعريض القوانين الفرنسية للخطر، وذلك بسبب نشر رأيي على “فيسبوك”.
وأضاف: انتقدت عبر حسابي بـ”فيسبوك” سياسة الحكومة في التعامل مع أزمة وباء كورونا، وقلت: إن الرئيس التركي أردوغان يدير هذه الأزمة بشكل أفضل من نظيره الفرنسي.
ومثل سليم، الثلاثاء، أمام القاضي بمحكمة الاستئناف، بعد أن رفع والي مدينة شامبيري (شرقي فرنسا) دعوى قضائية ضده بتهمة إهانة فرنسا ومحاولة الإطاحة بالحكومة والترويج للإرهاب.
ويبدو أن المسؤولين الفرنسيين الآن لديهم مفهوم جديد عن الترويج للإرهاب يرتبط بمجرد الإشادة بالرئيس أردوغان، وصار انتقاد ماكرون أحد مظاهر محاولة الإطاحة بالحكومة وتهديد الجمهورية.
صدمة لدعوات الاندماج في المجتمع
وأوضح سليم لـ”الأناضول” أنه متزوج ولديه ستة أبناء، وأن زوجته تهتم بالدراسات الإسلامية مثله.
وأعرب عن مدى صدمة أبنائه تجاه ما حدث معه.
وتابع: لقد نشؤوا (أبناؤه) على حرية التعبير، لكنهم فوجئوا بمداهمة الشرطة منزلهم لأن والدهم عبر عن رأيه، فكيف سأفسر لهم ذلك؟
وأشار سليم إلى أنه يقوم بإلقاء الدروس الإسلامية منذ سنوات، وأنه يعمل بشكل خاص من أجل نصح وإرشاد شباب فرنسا لحمايتهم من العادات السيئة، والعناصر الراديكالية المتطرفة، كما ينصحهم دائمًا بضرورة الاندماج في المجتمع والاتسام بالتسامح.
وأشار إلى أن الشباب الذين تعلموا على يديه يواجهون صعوبة في فهم سبب إلحاق تهم هكذا بأستاذهم الذي علمهم وغرس فيهم احترام القيم الجمهورية.
ماذا لو حدثت واقعة مشابهة في تركيا؟
وقال سيفين غويز، محامي سليم: إن موكله يحظى باحترام الجالية المسلمة في فرنسا واحترام أهل شامبيري، والاتهامات الموجهة إليه بالترويج للإرهاب هي تعسفية.
وأضاف غويز أن موكله متهم بسبب إبداء رأيه وممارسة حقه في التعبير، وأن كل ما يُتهم به هو مشاركته لآرائه عبر “فيسبوك”، وهو حق مكفول لكل مواطن.
وأكد أنه لم يثبت وجود علاقة له بأي شخص خارج على القانون أو أي منظمة إرهابية.
وذكر غويز أن سليم متهم بمحاولة الإطاحة بالحكومة الفرنسية؛ بسبب انتقاده لماكرون، وإشادته بالرئيس أردوغان، ومشاركة ذلك عبر “فيسبوك”.
وشدد على أن أي إمام فرنسي من حقه انتقاد سياسات الحكومة مثل أي مواطن آخر.
وأبدى غويز سخريته من الأمر، متسائلًا عن ردود الفعل المحتملة إذا ما قامت فرق مكافحة الإرهاب في تركيا بمداهمة منزل أحد القساوسة الأرثوذكس لقيامه بالمقارنة بين أردوغان وماكرون، مشيراً إلى أن تصرف مثل هذا كان ليحدث صدمة لدى الجميع.
هل تتحول فرنسا إلى دكتاتورية؟
وتساءل غويز: هل تتحول فرنسا لدولة دولة دكتاتورية؟ لا أريد حتى مجرد التفكير في ذلك.
وأوضح أن موقف المدعي العام بالقضية كان في صالحهم، حيث أكد أثناء جلسة المحاكمة أن مذكرة تفتيش منزل الإمام فريد سليم غير قانونية وطالب بإلغائها.
وأرجأ رئيس المحكمة إعلان قراره بخصوص الدعوى إلى 31 مارس المقبل بعد سماع جميع الأطراف.
وأضاف غويز أنهم رفعوا دعوى تعويض بعشرة آلاف يورو ضد والي شامبيري لما تسبب فيه من أضرار لأفراد الأسرة.
وكان سليم قال في منشوره على “فيسبوك”: فرنسا واجهت أزمة في الكمامات في بداية انتشار الوباء، ولم يستطع ماكرون إدارة الأزمة مثل الرئيس أردوغان الذي أمر بتوزيع الكمامات مجاناً على شعبه.
وأضاف أنه كان يجب تخصيص ميزانية لشراء الكمامات للشعب الفرنسي، كما يتم توفير ميزانية لشراء الغاز المسيل للدموع الذي تستخدمه الشرطة.
كما انتقد سليم الخطاب العنصري للطبيبين الفرنسيين اللذين استخدما أفارقة في التجارب على اللقاح.