باستعدادات محدودة وحذرة، يستقبل المصريون شهر رمضان المعظم تحت معاناة الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة “كوفيد 19 للعام الثاني على التوالي، ووسط ظروف اقتصادية صعبة وتطلعات متفائلة يذهب كثير منها للسماء يرجو تغير الأحوال المصرية في شتى المناحي إلى الأفضل خاصة في المجالين الاقتصادي والحقوقي.
رسمياً، أصدرت اللجنة العليا لإدارة أزمة فيروس كورونا بمصر 20 قراراً حكومياً، ركزت على تحجيم التجمعات قدر الإمكان، لكنها سمحت بأداء الصلوات في المساجد بإجراءات احترازية، ومنها صلاة التراويح دون أن تتجاوز فترة نصف ساعة فقط، دون إلقاء أي دروس أو خواطر دعوية، بجانب عدم السماح بإقامة أي موائد رمضانية أو الاعتكاف أو صلاة التهجد، فضلاً عن حظر إقامة أي تجمعات كبيرة في الأماكن المغلقة، مثل سرادقات العزاء، أو الاحتفالات في دور المناسبات، وتعليق جميع الأنشطة الدعوية من الدروس والقوافل وحلقات التحفيظ.
وشعبياً، حاولت بعض الأحياء الشعبية الكبرى كحي شبرا بالقاهرة التمسك بالمظاهر الاحتفالية المعتادة عن المصريين من تعليق الفوانيس والزينات، وهو ما تكرر على استحياء في المنازل بزينات بسيطة، لكن ما زالت هناك هموم كثيرة تضرب فرحة المصريين بالشهر الكريم، وفق ما هو مرصود.
وتعزو المستشارة الاجتماعية والأسرية منال خضر ما تسميه بـ”كسرة النفس” وحالة الفرح المحدود بشهر رمضان في مصر بأنها تعبير عن التحديات التي باتت تهدد المصريين والمصريات، شأنهم شأن غيرهم في ظل استمرار الجائحة، بجانب الأزمة الاقتصادية التي يفاقمها الوباء، وافتقاد عشرات الآلاف لذويهم لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.
وتدعو خضر، في حديث لـ”المجتمع”، الأسر المصرية إلى التعامل مع الشهر الكريم في بُعده الروحي والاجتماعي، بهدف جبر ما كسرته الأيام الصعبة وطلب النجدة من الله عز وجل وفتح آفاق استشفاء نفسي في رحاب القرب من الله تعالى تساعد في مواجهة ضغوط الحياة التي أسفرت عن تصاعد حالات الطلاق أو الافتراق القسري أو اضطراب العلاقات الأسرية.
وتضيف أن البيوت يمكن أن تتحول إلى منافذ إقبال على الله في ظل الوقت المحدود المسموح به في المساجد، وهو ما سيعود على المواطنين باكتساب طاقة إيجابية تعينهم على مواجهة سلبيات الحياة.
ويرى عبدالله محمد (سائق) أن الوباء حاصر مشاعر الفرحة والإقبال على الحياة، لكنه سيزيد من إقبال الناس على الدين في هذا الشهر كل على قدر استطاعته، مؤكداً أنه يوجد شعور عام بـ”الهم” يؤثر على مظاهر المصريين في الاحتفال بالشهر، وهو ما رصده في تنقلاته اليومية ومقابلته للمواطنين.
وقال لـ”المجتمع” بلغة عامية مصرية: “الناس بتقضيها وبتمشيها علشان تمشي الدنيا، لكن مفيش جديد وربنا أعلم بحال الناس، لكن أملنا في الشهر الكريم إن ربنا يسدد ديوننا ويريح بالنا”.
ركود اقتصادي
هذا الهم العام، ضرب فيما يبدو محلات بيع “ياميش” رمضان والمواد الغذائية، التي شهدت إقبالاً محدوداً، بحسب تقارير محلية متواترة؛ ما أدى إلى الركود في بعض المحافظات والإقبال متوسط في البعض الآخر.
ويرى الخبير الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن حالات الخوف من التواجد في التجمعات وما ترتب على الوباء من تبعات اقتصادية صعبة، ضربا بقوة الموسم الرمضاني الذي يضع عليه تجار كثيرون العديد من الآمال كل عام.
ويضيف، في حديث لـ”المجتمع”، أن رب الأسرة في مصر معذور بسبب تلاحق المتطلبات المالية في ظل وضع يضيق مالياً بسبب الظروف الصحية العامة وتحركات مؤسسية لتقليل أعداد العمالة، وبالتالي فهو بين “فكي الكماشة”، فالمطلوب منه إدخال الفرحة على أسرته وفي الوقت ذاته إدخال موارد مالية جديدة إلى جيبه، وهو الأمر الصعب بطبيعة الحال، ما يجعل الركود مبرراً.
لكن الطاهر يشير إلى ملمح اقتصادي آخر قد يغطي بعض الخسائر لدى التجار والمصريين، وهو الملمح الخيري المتجسد في التبرعات المادية والعينية، التي يعتبرها بنكاً كبيراً يمكن أن يعوض الجميع في مصر، بحيث تتحرك السيولة المالية إلى التجار بالشراء وتوصل الفائدة المرجوة للمحتاجين الذين لا يملكون تلك السيولة في هذه الظروف.
وتنشط جمعيات كثيرة في مصر لجمع التبرعات قبل شهر رمضان، وشهد العام الماضي (1441هـ/ 2020م) زيادة حجم التبرعات لأكثر من 20% عن العام السابق وفق جريدة “الأهرام” الحكومية.
رمضانهم في بيوتهم
أسر المحبوسين احتياطياً والمحكومين على خلفية الأزمة السياسية، بدورها، ترى شهر رمضان بنظرة إضافية للأعباء الأخرى، حيث تتطلع إلى عفو رئاسي لأبنائها، أو الإفراج النيابي عن المحبوسين احتياطياً بأي تدابير احترازية تراها السلطات المصرية.
وانتشرت الآلاف من التدوينات في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر منها كان على وسم “#رمضانهم_فىيوتهم_حقهم”، تتطلع إلى انفراجة سياسية يخرج بها المحبوسون احتياطياً أو المحكومون.
إيمان محروس، زوجة الكاتب الصحفي المحبوس احتياطياً أحمد سبيع، إحدى الزوجات اللواتي يقابلن رمضان بفتور وترقب بعد غياب زوجها خلف الأسوار منذ ما يقرب من عام، وكثيراً ما تدون على صحفتها على موقع التواصل الاجتماعي تدوينات تدعو للإفراج عن زوجها.
تقول محروس، لـ”المجتمع”: “للأسف.. لا نشعر كأسرة بفرحة بسبب غياب الزوج تعسفياً في الحبس، وهناك العديد مثلنا، وكلنا أمل أن تشمل تدخلات نقابة الصحفيين قانونياً وسياسياً في إغلاق ملف حبس الصحفيين أو الحبس في التعبير عن الرأي حتى تشملنا الفرحة في هذا الشهر الكريم”.