يتصاعد اهتمام الأسواق العالمية بين الحين والأخر بالعملات المشفرة والتي تأتي في مقدمتها العملة الأشهر بينهم البيتكوين، حيث أصبح بعض الدول والمستثمرين يدفعوا ببعض أموالهم في هذه العملات، خاصة بعد أن صعدت هذه العملة إلى مستويات غير مسبوقة عند 67 ألف دولار في أبريل الماضي.
وأعلنت السلفادور، في 8 سبتمبر/أيلول الجاري، اعتماد العملة الرقمية المشفرة بيتكوين بشكل رسمي كعملة تداول قانونية إلى جانب الدولار لتصبح أول دولة في العالم تتخذ هذه الخطوة.
واشترت السلفادور ما يقرب من 20.9 مليون دولار من البيتكوين، قبل يوم واحد من اعتمادها رسميا للعملة المشفرة الأكثر شهرة في العالم، وقامت الحكومة بتركيب 200 جهاز صراف آلي خاص بالبيتكوين في أنحاء السلفادور.
وبموجب القانون الجديد، سيطلب من الشركات قبول البيتكوين مقابل السلع والخدمات، على الرغم من أن التجار غير القادرين تقنيًا على قبول البيتكوين سيتم إعفاؤهم.
وصعد سعر عملة البتكوين في 23 أغسطس/آب الماضي إلى ما يزيد على الـ 50 ألف دولار، للمرة الأولى منذ 3 أشهر، ليصل في 7 سبتمبر/أيلول الجاري إلى 52.774 دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ منتصف أيار/ مايو.
ليهبط مرة أخرى في اليوم الذي يليه إلى 46.455 دولار، ليواصل هبوطه عند 9 سبتمبر إلى 46.197 ألف دولار.
وأرجعت بعض المنصات الإعلامية المهتمة بهذا الشأن أسباب الصعود الأخير إلى عودة المستثمرين لشرائها، بينما اسندوا أسباب عودة تراجعها مرة أخرى إلى اتساع عمليات بيع العملات المشفرة من قبل المستثمرين بها.
ولكن تظل هذه العملة تتزايد وتتناقص دون وجود أسباب تتعلق بالسياسة النقدية أو تفسير منطقي يشرح أسباب هذه التقلبات، الأمر الذي دفع بعض الخبراء الاقتصاديين للحديث عن أن هذه العملة محفوفة بالكثير من المخاطر.
إلا أنه في بعض الأحيان تكون هناك بعض الأسباب المنطقية مثل الهبوط الذي شهدته في يوليو/تموز الماضي، نتيجة الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين حيال البيتكوين من خلال إصدار أوامر بتعليق عمليات تعدين لعملة بيتكوين الرقمية في إقليم سيشوان الذي يعد ثاني أكبر مقاطعة تعدين بيتكوين في الصين.
أو كالارتفاع الذي شهدته عملة البيتكوين عقب وضع قطب الأعمال الأمريكي ومؤسس شركة تسلا للسيارات الكهربائية، إيلون ماسك، كلمة بيتكوين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
ورغم عدم وجود آلية واضحة لعمل هذه العملة المشفرة والتحذيرات المستمرة من قبل الخبراء إلى أن هناك إقبال كبير لدى المستثمرين وبعض البلدان.
ويبلغ عدد وحدات العملات الافتراضية إجمالا حول العالم نحو 21 مليون وحدة، بينها 18.810 مليون وحدة للعملة الافتراضية الأبرز وهي البيتكوين.
إخضاع “البيتكوين”
ولكن وسط تلك المعطيات ترتفع مخاوف البنوك المركزية الكبرى من تحول بيتكوين إلى عملة دولية تهدد مكانة العملات التقليدية وتدريجياً تهدد دور البنوك المركزية نفسها في صناعة النقود وتحديد حجم الكتلة النقدية المتداولة وربما تسعيرها عبر الضغط على الفائدة المصرفية وأدوات المال الأخرى.
حيث دعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، الحكومات إلى تبني تشريعات منسقة ومشتركة وملزمة لتقنين التعامل مع بيتكوين حتى لا تترك ثغرة ينفذ منها المتعاملون في العملة الرقمية وأخواتها.
وفي لندن حذرت سلطات الرقابة المالية المستهلكين من الاستثمار في العملات الرقمية، وقالت في تحذيرها إن “المستهلكين سيخسرون جميع أموالهم المستثمرة في العملات الرقمية”.
وأشارت السلطات المالية في هذا الصدد، إلى أن الاستثمار في العملات الرقمية أو الاقتراض بالأدوات المرتبطة بها تعني عملياً الدخول في مخاطر عالية جدا.
كما أن العديد من الحكومات ينتابها إنزعاج كبير من توسع الاستثمار في العملات الرقمية وتأثير ذلك على العملات التقليدية، خاصة وأنه ربما يكون للبيتكوين وغيرها من العملات المشفرة تأثير مباشر على الاستثمار في أسهم الشركات التي تصنع الاقتصادات، إذ إن حجم الأموال المستثمرة في بيتكوين وأخواتها يتزايد مع ارتفاع سعرها.
وتبلغ القيمة السوقية للعملات الافتراضية إجمالا حول العالم نحو 2.138 تريليون دولار، بينها 870.348 مليار دولار لعملة البيتكوين فقط.
وتسعى البنوك المركزية حول العالم للعمل على إخضاع العملات الافتراضية تحت سيطرتها عبر إصدار عملات رقمية منافسة مضمونة من قبل البنوك المركزية تجذب المستهلكين بعيدا عن البتكوين وأخواتها أو تقنين عمل العملات الرقمية وفرض رسوم وضرائب مرتفعة على تعاملاتها.
ويستكشف البنك المركزي الأوروبي إطلاق اليورو الرقمي في غضون السنوات الخمس المقبلة، بينما كثف بنك إنجلترا أبحاثه لتقديم عملته الرقمية تحت مسمى “بريتكوين” دون تقديم أي تعهدات مؤكدة، كما أعلنت الصين نيتها إطلاق اليوان الرقمي، وكذلك السويد تستعد لإطلاق الكرونا الرقمية.
إلا أن جزر البهاما أطلقت في عام 2020م كأول دولة عملة رقمية للبنك المركزي على مستوى البلاد، وأصبحت منطقة شرق الكاريبي في أبريل/نيسان الماضي أول بنك مركزي لاتحاد العملات يصدر النقد الرقمي.
مستقبل العملات
ولكن وسط المخاوف التي تعيشها الحكومات والبنوك المركزية النابعة من هذه العملات المشفرة حول حدوث ارتباك في الأسواق أو الحديث عما تتيحه من فرص أمام الاقتصاد الأسود لغسيل أموالهم من خلاله نتيجة هذه العملات الافتراضية اللامركزية.
يبقى مستقبل العملات المشفرة وفي مقدمتها البيتكوين محيط بالغموض، إلا أن مستخدميها يرون أنها فرضت نفسها رغم ما تشهده من تقلبات ومخاطر.
ففي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قامت شركة تسلا الأميركية بشراء ما قيمته 1.5 مليار دولار من عملة البيتكوين.
ومؤخرا بعد سماح شركتي “PayPal” و”Visa” لعملائها في الولايات المتحدة بالدفع بالعملات المشفرة، وإعلان بنك “Goldman Sachs” الأميركي أنه يخطط للتعامل بالعملة المشفرة في المستقبل، فمن المتوقع أن تواصل العملات الرقمية اتساعها.
ويتوقع “بنك أوف أميركا” استمرار الزخم على تداولات “بيتكوين” خلال الفترة المقبلة، بعد حمى الشراء التي انتابت المستثمرين في العام 2020م، وتسببت في مكاسب قياسية للعملات المشفرة فاقت 400 %.
وتشير بعض التوقعات إلى أنه مع نهاية عام 2021م ستكون عملة البيتكوين عند 55.8 ألف دولار، بينما مع خلال عام 2022م يتوقع أن يكون سعر البيتكوين عند متوسط ما بين 75 ألف دولار إلى 88 ألف دولار، لتصعد التوقعات في عام 2023م عند متوسط 94 ألف دولار لوحدة البيتكوين الواحدة.
وتذهب بعض التوقعات للحديث عن أن أسعار البيتكوين أنه مع بداية عام 2024 و2025م ستتجاوز الـ 275 ألف دولار للوحدة.
ويعتقد أن هذه التوقعات ربما تكون أهملت بعض العوامل الأخرى داخل السوق، ما يعني أنها غير مبنية على مؤشرات حقيقية، فكما ذكرنا سلفا أن هذه العملات تعمل دون وجود آلية أو أساس واضح، مما يعني صعوبة التنبؤ بقيمتها بالإضافة إلى أن شهوات المستثمرين متقلبة وفقا لطبيعة السوق في كل فترة.