قدم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون رواية رسمية لمجزرة ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسي بحق قرابة 4 آلاف مصلٍّ اعتصموا داخل مسجد عثماني رفضًا لتحويله إلى كنيسة.
وكان تبون يتحدث عن “جرائم” الاستعمار الفرنسي للبلاد منذ دخوله عام 1830 وإلى خروجه عام 1962، خلال مقابلة أجراها مساء أمس الأحد، مع وسائل إعلام محلية بثها التلفزيون الرسمي.
وقال: فرنسا استعمرتنا 132 سنة كانت فيها جرائم بشعة لا تمحى بكلمة حلوة، هناك عائلات وعروش (قبائل) مُحيت نهائيًا مثل الزعاطشة (جنوب شرق الجزائر) لم يبق منهم رضيع واحد.
وأضاف: اسألوا أهل الذكر والذاكرة ماذا فعلوا في مسجد كتشاوة.. لقد قتلوا فيه 4 آلاف مصل استشهدوا بعد أن تمت محاصرتهم بالمدافع وإبادتهم.
وبني مسجد كتشاوة عام 1520م، في منطقة القصبة التي تشتهر باسم “المدينة القديمة” في العهد العثماني (1518 – 1830م) من قبل أحد أكبر قادة الأساطيل العثمانية حاكم الجزائر آنذاك، خير الدين بربروس (1470- 1546م).
وتقول روايات لمؤرخين جزائريين: إن الحاكم الفرنسي للجزائر آنذاك الدوق دو روفيغو قرر، نهاية العام 1832م، اقتحام المسجد لتحويله إلى كنيسة، ووسط رفض سكان المدينة الذين اعتصموا داخله قام بهدمه على من فيه وحرق المصاحف.
وعقب هدم المسجد جزئياً استخدمه الفرنسيون مؤقتاً مخزناً، قبل إعادة بناء كنيسة مكانه.
وحوّل الجزائريون الكنيسة إلى مسجد عقب إعلان الاستقلال عام 1962 مع المحافظة على معالم الكنيسة، لكنه أغلق أبوابه في عام 2008م، بعد أضرار لحقت به جراء زلزال عنيف ضرب العاصمة الجزائر في عام 2003.
وفي أبريل 2018م، أعيد فتح مسجد كتشاوة بعد عملية ترميم قامت بها وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” بفريق مختص وهيئة أكاديمية وحرفيين مهرة في فن التخطيط والنقش، بناءً على اتفاق تم بين حكومتي الجزائر وتركيا.
تفنيد مزاعم ماكرون
وقال عبدالرزاق قسوم، رئيس “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين”، اليوم الإثنين: إن “الوجود العثماني في الجزائر لم يكن استعماراً، وإنما لمساعدة البلاد على دحر العدوان الصليبي الإسباني”.
جاء ذلك في مقال لقسوم نشرته صحيفة “البصائر” التابعة لجمعيته، التي تعد أكبر تجمع لعلماء الدين الإسلامي في الجزائر.
والمقال رد على تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زعم فيها أنه “كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي” للجزائر، في إشارة لفترة التواجد العثماني (1515- 1830م).
وقال قسوم: “العثمانيون الذين قدموا إلى الجزائر لم يأتوا محتلين مستعمرين، وإنما بدعوة من الجزائريين كانت موجهة إلى السلطان العثماني سليم الأول لمساعدتهم على دحر العدوان الصليبي الإسباني”.
وأضاف: “لم يُؤخذ على العثمانيين أن قاموا بالقتل أو التدمير، ولم ينهبوا ثروات الجزائريين الذين كانوا (في عهدهم) ينعمون بالخير الكثير”.
وتابع: “لم يفرض العثمانيون علينا لغتهم، وليس فينا اليوم من يتحدث لغتهم، ولم يحاربوا معتقدنا، ولا حتى مذهبنا؛ فالجزائر كانت قبل العثمانيين مالكية، وبقيت بعدهم مالكية”.
في المقابل، وصف قسوم الاستعمار الفرنسي للجزائر بأنه “أبو المأساة، ومنبع شقاء وعِلاّت الجزائر”.
ودعا إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع الشركات الفرنسية.
وقبل أيام، اتهم الرئيس الفرنسي السلطات الجزائرية بأنها “تكن ضغينة لفرنسا”، وطعن في وجود أمة جزائرية قبل استعمار فرنسا للجزائر (1830 – 1962م)، حيث تساءل “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي(؟!)”.
كما زعم ماكرون أنه “كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي” للجزائر، في إشارة لفترة التواجد العثماني بين عامي 1515م و1830م.
وردت الرئاسة الجزائرية، في الثاني من أكتوبر الجاري، بإعلان استدعاء سفير الجزائر لدى باريس للتشاور، احتجاجا على هذه التصريحات، التي قالت إنها “مسيئة” وتمثل “مساسا غير مقبول” بذاكرة أكثر من 5 ملايين مقاوم قتلهم الاستعمار الفرنسي.
كما أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية العاملة ضمن عملية “برخان” في منطقة الساحل الأفريقي.
وقال الرئيس الجزائري تبون، أمس الأحد، في تصريحات بثتها التلفزيون الرسمي: إن عودة السفير إلى باريس مرهونة باحترام تام للجزائر ومؤسساتها وتاريخها.