تناولنا في الحلقات السابقة:
- إخلاص النية لله في زواجي.
- هل المودة والرحمة هبة أم توفيق من الله؟
- القوامة.
- “هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ”.
ونتناول في هذه الحلقة: علاقة الزوج بأهل زوجه
تعتبر علاقة الزوج بأهل زوجه من أهم المؤثرات الخارجية على علاقة الزوجين معاً، ومن واقع ما يرد إلينا من استشارات فهي بصفة عامة علاقات غير إيجابية التأثير؛ وذلك لعدة اعتبارات لعل من أهمها الإعلام الفاسد بما يبثه من نماذج سلبية عن مشاعر أم الزوج نحو زوجة ابنها ومن الزوجة نحو أم زوجها، وفي المقابل أيضا مشاعر الزوج نحو أم زوجته وأم الزوجة نحو زوج ابنتها؛ ما يؤدي للأسف إلى أن كل طرف يبدأ علاقته بالطرف الآخر وهو مشحون سلبيا تجاهه، حتى أصبحت هذه العلاقة محل تندر وسخرية لاذعة خاصة تجاه الأمهات (العمات / الحموات). ولكن رغم سلبية هذا الإعلام فإن المفهوم الخاطئ لهذه العلاقة –في رأيي- قد يكون هو الأكثر تأثيرا خاصة لدى الزوج وأهله مقابل الزوجة. ولكن قبل الاسترسال دعوني بداية حتى لا يساء فهم مضمون ما أرنو إليه توضيح معنى مهم جداً وهو يعتمد على التفريق بين الفرض الذي أكون آثما إن لم أفعله، والفضل الذي ندبنا الشارع الحكيم إلى فعله لزيادة الأجر ولا نأثم إن لم نفعله.
- على الزوجة خدمة أم زوجها!
مما يعرض علينا من استشارات أجد أن هذا الفهم الخاطئ يسبب كثيرا من المشكلات العائلية؛ فأحد الأزواج يعرض مشكلته مع زوجته بأن أمه مريضة، وأخواته مشغولات بأسرهن، فتزوج واتفق مع زوجته على أن ترعى أمه ولكن بعد فترة اعتذرت وتركت البيت. وآخر أتى بوالديه المسنين إلى بيته لتقوم زوجته برعايتهما، وعندما اشتكت له من صعوبة ذلك لكثرة الأعباء الخاصة بالأولاد ثار وهاج واتهمها في دينها بأنها تريد قطيعة رحمه وتحول بينه وبين رضا الله ببره بوالديه!
يقول المولى عز وجل {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23، 24). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم “رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ” صحيح مسلم 2551″. هذا الأمر من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بفرض البر على الأولاد، وليس فرضا على زوجاتهم، وأن هذا المفهوم الخاطئ لدى بعض الأزواج يسبب العديد من المشكلات.
وهنا تأتي مشكلة وهي: مرض أو تقدم العمر بالوالدين بحيث يحتاجان إلى من يرعاهما رعاية شاملة، والسؤال المهم هو عن كيفية القيام بهذا الفرض وهو بر الوالدين؟ مع حق الزوجة في سكنها الخاص، والشارع الحكيم لم يلزمها برعاية الوالدين!
هناك بدائل عدة لكن سأفترض أن الوالدين ليس لديهما غير ولد وحيد وطاقته المادية لا تسمح له بإحضار من يرعاهم بسكنهم؛ فما الحل؟
فعلى الزوج في هذا الحالة استثارة النوازع الإيمانية لدى زوجته وتوضيح أن هذا فضل منها، وليس فرضا عليها رعاية والديه، ويذّكرها بأجرها العظيم بفضل الله، ويحاول أن يعوضها معنويا وعاطفيا، ويبالغ في الإحسان إلى والديها، ويتعاون معها ويحث أولاده على مساعدة والدهم على ذلك وهو فرض عليهم، وإن أمكن توفير خادمة فعليه ذلك.
المهم أن يعلم أن هذا فضل من زوجته، وليس فرضا عليها، وينطلق من هذا المفهوم والأخذ بكافة الأسباب لتقليل العبء على زوجته.
- أهل الزوج هم الأولى بالاهتمام والرعاية من أهل الزوجة!
مفهوم خاطئ لدى بعض الأزواج، وإحدى المشكلات التي عرضت علينا، لأسرة تعيش بمنطقة بعيدة عن الأهل، عندما تأتي أم زوجها لزيارتهم وتمكث حوالي شهر، يترك الزوج لأمه غرفتهم الخاصة، التي بها حمام خاص، دون استئذان زوجته، وتنام هي مع البنات في غرفتهن وهو مع الأولاد في غرفتهم، وعندما لاحظ زوجها امتعاضها، قال مستنكرا إنها أمي وحقا عليّ برها. وفي المقابل عندما تأتي أمها تنام مع البنات في حجرتهن! وأخرى تشتكي بأنه رغم أن والدها أكبر من والد زوجها بحوالي 15 عاما، وله مكانته العلمية، إلا أن عند اجتماع الأسرتين يكون التبجيل والاهتمام والتقديم لوالد الزوج!
الأصل في الإسلام المساوة، يقول صلى الله عليه وسلم: “لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ” صححه الألباني؛ فلا معنى ولا قيمة للاهتمام بعائلة الزوج دون الزوجة، ولكن يجب الاهتمام من كلا الزوجين بكلتا العائلتين، ولتكن الأولوية للأكثر احتياجا طبقا لحالته وليس لصلة قرابته للزوج أو للزوجة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يرحمْ صغيرَنا، ويُوَقِّرْ كبيرَنا” (صحيح الجامع)؛ فالأكبر سنا هو الأولى، وكذلك المريض والمحتاج وهكذا في سائر الالتزامات العائلية سواء أكان من أهل الزوج أم الزوجة؛ لذا يجب على كلا الزوجين معاملة الأهل بكل التقدير والرعاية.
—-
(*) استشاري علاقات زوجية وتربوية.
(يمكن التواصل من خلال: 0014169973277 واتس وفايبر وإيمو، y3thman1@hotmail.com).