نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً حول تنامي ظاهرة جديدة للسياحة في العراق، حيث أصبح قِبلة لمشاهير اليوتيوب والمؤثرين الغربيين على منصات التواصل الاجتماعي.
ويقول حسين هارون الذي يعمل مرشداً سياحياً بالعراق منذ ما يقرب من عامين، إنه في الأشهر الأولى من عمله استغل غالبية العملاء من العراقيين عودة الأمن بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية لاستكشاف بلادهم، لكنه لاحَظَ تغيُّراً العام الماضي. وأضاف هارون، وهو مواطن من مدينة بابل القديمة، لموقع MEE البريطاني: “بدأ كثير من مشاهير منصة يوتيوب والمؤثِّرين بالغرب في القدوم”.
كيف تحوَّل العراق لوجهة مهمة لدى مشاهير منصات التواصل و”اليوتيوبرز” الغربيين؟
قبل أن تحد جائحة فيروس كوفيد-19 من السفر، كانت السياحة نقطةً مضيئة للعديد من اقتصادات الشرق الأوسط التي ابتُلِيَت بصعوباتٍ أخرى. في مصر والإمارات الغنية بالطاقة، شكلت هذه الصناعة ما يقرب من 12% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الأردن وصلت النسبة إلى 20%.
حتى وليّ العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وَضَعَ السياحة في صميم جهوده لإعادة تشكيل اقتصاد المنطقة الوحيد لمجموعة العشرين؛ في محاولةٍ للانتقال من الاعتماد على النفط.
العراق دولة أخرى تعتمد على النفط، حيث شكَّلت هذه السلعة 43% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. ورغم أنه اجتذب منذ فترةٍ طويلة تدفُّقاً ثابتاً من السياحة الدينية من إيران، إلى مدينتي كربلاء والنجف، ليس العراق وجهةً معروفةً للزائرين الغربيين.
فأولاً كان هناك الغزو الأمريكي عام 2003. تبعت ذلك مقاومة طاحنة، ثم حرب أهلية وقتالٌ ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتدفَّقَ الجنود والأسلحة، لكن السياح الغربيين لم يسمع بهم أحد. قال هارون، الذي يبلغ من العمر 21 عاماً فقط: “هذا بلدٌ كان مُغلَقاً على العالم طوال عقدين من الزمن”.
لكن في صيف عام 2021، بدأ المدوِّنون الغربيون عن السفر بالظهور في شوارع مدن مثل بغداد والموصل والبصرة. كانوا يستقلون سيارات الأجرة ويشربون الشاي مع السكان المحليين ويدخِّنون الشيشة.
قال عبد الله القزاز، وهو خريجٌ جامعي حديث أطلق “فيزيت الموصل”، وهي شركةٌ رائدة في قطاع السياحة بمدينةٍ بشمالي العراق، لموقع Middle East Eye: “إنها بالتأكيد ظاهرة جديدة. الناس مرحِّبون، لكنهم لا يزالون يحاولون الاعتياد على رؤية السيَّاح الغربيين”.
ما السر وراء إقبال مشاهير اليوتيوب على العراق؟
يعد تحسن الوضع الأمني في العراق، خلال السنوات القليلة الماضية، أحد أسباب التغيير. ثم في مارس/آذار 2021، زار البابا فرانسيس العراق. وكانت “رحلة البابا وحقيقة أن العراق كان مفتوحاً عندما كان بقية العالم مُغلَقاً بسبب كوفيد-19” سببين قدَّمهما القزاز وراء زيادة الزوَّار.
لكن الحكومة العراقية اتخذت أيضاً خطوةً كبيرة في مارس/آذار 2021، عندما قرَّرَت السماح لمواطني دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بالحصول على تأشيرة عند الوصول إلى المطارات أو الحدود البرية والبحرية.
في السابق، كانت العملية المرهقة للحصول على تأشيرةٍ سياحية تستغرق شهوراً وتكلِّف آلاف الدولارات. وأصبح الأكثر إغراءً للبعض أن العراق ألغى شرط أن يكون لدى السائحين دليلٌ مُعتمَد من الحكومة معهم.
أخبر ماك كاندي، مُدوِّن فيديوهات السفر الأمريكي، موقع Middle East Eye، أنه شطب العراق كوجهةٍ له على الأقل لبضع سنوات، بسبب القيود. لكن الحرية المكتشفة حديثاً غيَّرت الأشياء. بعد وقت قصير من إعلان العراق عن القواعد المحدثة، بدأ هاتفه يرن. “كل مجموعات واتساب هذه كانت تنفجر بالرسائل”.
قال كاندي: “إن مجتمع مشاهير يوتيوب، خاصةً أولئك الذين يسافرون في مناطق مماثلة، يشبه إلى حدٍّ كبير، مكان العمل المشترك. كلنا نعرف بعضنا البعض، لذلك عندما يسمع شخص ما عن تغيير في قواعد السفر، نكتشف جميعاً”.
“العراق هو البلد العربي المفضل لي على الإطلاق”
كان جاي بالفيري من أوائل مُدوِّني الفيديو الذين ذهبوا إلى العراق، وهو مواطنٌ بريطاني لديه أكثر من 1.2 مليون مشترك في قناته على يوتيوب يتابعون رحلاته عبر الشرق الأوسط. قام بثلاث رحلات إلى العراق منذ أغسطس/آب من العام الماضي.
قال لموقع Middle East Eye: “إنها بلدي العربي المفضل على الإطلاق. لا أعتقد أنني تمكُّنتُ من تصوير لقطةٍ دون أن يأتي العراقيون ويرحِّبون بي”.
أثار مستخدمو يوتيوب الذين يسافرون في مناطق الحرب، أو الدول التي تتعافى من الصراع، انتقاداتٍ من الجماهير. يستهل العديد من المُدوِّنين مقاطع الفيديو الخاصة بهم بالقول إنهم لا ينوون التعبير عن وجهات نظرٍ سياسية. لكن ذلك لم يمنع البعض من التعرُّض للانتقاد لزيارتهم دول مثل سوريا حيث لا تزال الآراء الراسخة حول الحرب الأهلية قائمة.
ربما نجح العراق في الإفلات من هذا الفخ. قال دوج بارنارد، أحد مستخدمي يوتيوب الأمريكيين الذي زار العراق مع بالفيري: “ليس لديهم شخصية فريدة مثيرة للجدل تزعج الناس، وفي العراق على وجه الخصوص، هناك شعورٌ بأن الجميع يريدون فقط للبلاد أن تنجح”.
يقدم العديد من مُدوِّني الفيديو الذين يسافرون إلى العراق أيضاً محتواهم بطريقةٍ معينة: صور سيلفي، وتحريرٌ بسيط، والكثير من التفاعلات مع السكَّان المحليين.
ظهر أحد أشهر مقاطع الفيديو لبرنارد في الخارج مع فتاةٍ عراقية في بغداد. وفي مشهد آخر، وجد هو وأصدقاؤه بالمصادفة عرضاً للمواهب في الهواء الطلق في عاصمة البلاد. أما كاندي، فنَشَرَ مقطعاً مدته 25 دقيقة صوَّره في صالون حلاقة متداعٍ في بغداد.