جاءت الرسالة المحمدية لتنشر الإسلام بين الناس جميعاً، وتدعوهم إليه، على أيدي شبابها وكهولها كمحمد بن القاسم، وقتيبة بن مسلم، وعقبة بن نافع، وموسى بن نصير، لم يكن هؤلاء القادة الأبطال إلا خلفاء لسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وأبي عبيدة، وغيرهم من أولئك الأبطال رضي الله عنهم، فالرسالة النبوية لم تأت لتظل في مكة أو في المدينة، أو تكون مقصورة على جزيرة العرب، بل جاءت إلى الناس كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سبأ: 28). (الغامدي، الفتح الإسلامي لبلاد السند، ص 81).
كان انتصار المسلمين في معركة القادسية في عهد عمر بن الخطاب إيذاناً لهم بفتح السند، فقد استنجد كسرى الفرس ببعض ملوك البلاد المجاورة؛ ومنها مملكة السند؛ حيث أمده ملك السند بالمال والرجال، الأمر الذي اضطر المسلمين بمهاجمة السند رداً على تدخلهم ضدهم في معركة القادسية، ولذلك فإن البلاذري يحدثنا عن حملات إسلامية مبكرة على السند كان أولها في عهد عمر بن الخطاب، وكان ثانيها في عهد علي بن أبي طالب، كما نفهم من رواية البلاذري أن عثمان بن عفان كان أيضاً مهتمّاً بتقصي تحركات السند، كما أن البلاذري يوضح الأسباب التي حولت هذه الحملات إلى فتح منظم للسند في الأسباب الآتية.
– اكتشاف تحالف آخر بين السند والترك؛ حيث لقي المهلب في عهد معاوية بن أبي سفيان ثمانية عشر فارساً من الترك ببلاد القيقان بالهند، لذلك تلاحقت حملات معاوية فأغار عبدالله بن سوار، وسنان بن سلمة بن المحبق الهذلي، فأتى الثغر ففتح مكران عنوة ومصَّرها وأقام بها.
– أعمال القرصنة البحرية التي كان يقوم بها الهنود؛ حيث يذكر البلاذري أن البوارج الهندية قد استولت على سفينة كانت تحمل نساء مسلمات أرسلهن ملك جزيرة الياقوت هدية إلى الحجاج بن يوسف، فنادت امرأة من تلك النسوة وكانت من يربوع: يا حجاج، وبلغ الحجاج ذلك فقال: يا لبيك، فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة، فقال: أخذهن لصوص لا أقدر عليهم، لذلك أرسل الحجاج بن يوسف عبيدالله بن نبهان إلى الديبل (كراتشي اليوم) فقتل، فكتب إلى بديل بن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الديبل، لكن الهنود استطاعوا محاصرته وقتله أيضاً.
1- تعيين محمد بن القاسم على ثغر الهند وتجهيزات الحجاج لجيشه:
تبدّى للحجاج مدى الإهانة التي تلحق بهيبة المسلمين وخطورتها إن هو سكت على هذا الأمر، فاختار محمد بن القاسم وكان بفارس، وكان قد أمره أن يسير إلى الريّ، فردّه إليه، وعقد له ثغر السند، وضمّ إليه 6 آلاف من جند أهل الشام، وجهّزه بكلِّ ما احتاج إليه حتى الخيوط والإبر والمال، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يكمل حشد رجاله ويوافيه ما أعدّ له، واهتمّ الحجاج اهتماماً بالغاً في إنجاز استحضارات جيش محمد بن القاسم حتى بلغ بذلك حدّ الروعة حقاً؛ فلم ينس أصغر التفاصيل الإدارية لإكمال استحضارات هذا الجيش، حتى إنه عمد إلى القطن المحلوج فنُقع في الخل الأحمر الحاذق، ثم جُفِّف في الظل، وقال لهم: إذا صرتم إلى السِّند فإن الخل بها ضيِّق، فانقعوا هذا القطن في الماء، ثم اطبخوا به واصطبغوا، ويقال: إن محمداً لما صار إلى ثغر السِّند، كتب يشكو ضيق الخلِّ عليهم، فبعث الحجاج إليه بالقطن المنقوع في الخل.
2- المعارك التي خاضها محمد بن القاسم:
مضى محمد إلى مكران، فأقام بها أياماً، ثم أتى فنزبور ففتحها، ثم أتى أرمانيل ففتحها أيضاً، فقدم الديبل يوم جمعة، فوافته هناك سفنه التي كانت تحمل الرجال والسِّلاح والعتاد والمهمات، فخندق حيث نزل الديبل، وأنزل الناس منازلهم، ونصب منجنيقاً يقال له: العروس، الذي كان يعمل لتشغيله 500 من الرجال ذوي الكفاية المدربين على استخدامه، فدكّ بقذائفه معبد الهنادكة الأكبر (البد)، وكان على هذا البد دقل عظيم، وعلى الدقل راية حمراء إذا هبّت الريح أطافت المدينة، وحاصر محمد الديبل وقاتل حماتها بشدّة، فخرجوا إليه، ولكنه هزمهم حتى ردهم إلى البلد، ثم أمر بالسلالم فنصبت وصعد عليها الرجال، وكان أولهم صعوداً رجل من بني مراد من أهل الكوفة، ففتحت المدينة عنوة، فاستباحها محمد ثلاثة أيام، ولكنّ عامل داهر ملك السند عليها هرب عنها سالماً، فأنزل فيها محمد بن القاسم 4 آلاف من المسلمين، وبنى عليها جامعها، فكان أول جامع بني في هذه المنطقة، وسار محمد عن الديبل إلى النيرون، وكان أهلها بعثوا إلى الحجّاج فصالحوه، فلقوا محمداً بالميرة وأدخلوه مدينتهم ووفوا بالصلح.
وسار محمد عن نيرون، وجعل لا يمر بمدينة إلاَّ فتحها حتى عبر نهراً دون مهران، فأتاه أهل سربيدس، وصالحوه، ففرض عليهم الخراج وسار عنهم إلى سهبان، ففتحها ثم سار إلى نهر مهران فنزل في وسطه، وبلغ خبره داهر، فاستعدّ لمجابهته، وبعث محمد إلى سدوستان، فطلب أهلها الأمان والصلح، فأمنهم محمد وفرض عليهم الخراج أيضاً.
ملاحظة مهمة: استفاد المقال مادته من كتاب “تاريخ الدولة الأموية”، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد في كثير منها على كتاب “الحضارة الإسلامية” لمحمد عاد.
__________________
المصادر والمراجع:
1- علي الصلابي، تاريخ الدولة الأموية، ص 102-103.
2- محمد النجرامي، العلاقات السياسية بين الهند والخلافة العباسية، ص 30.
3- محمد عاد، الحضارة الإسلامية، ص 299.
4- سعد الغامدي، الفتح الإسلامي لبلاد السند.