أخذتني سنة من النوم؛ هذا أمر معتاد، غير أنني مصاب بهلاوس تصيبني كل آونة.
عليّ أن أعاود طبيب الوحدة الصحية ذات المبنى العتيق، إنه ينصحني كثيرا بأن آوي إلى فراشي مبكرا، يقرأ في كتاب أبو قراط الحكيم، ومن ثم ينصرف عني!
يبدو أن الزمن قد توقف فقد سافرت بعيدا حيث بلاط بلقيس؛ يصعب عليكم تصديق ذلك؛ لا أدري ما الذي جعلني أقص ذلك الحلم عليكم؟
حاولت تكتمه، لكنني عجزت!
لم أكن أنتعل حذائي؛ يحدث هذا كثيرا حين أكون نائما؛ المرة الوحيدة التي تحسسته كانت منذ أيام، فبرودة ليل الشتاء أنستني أن أقوم بخلعه؛ كم كان سيئا أن أنام على هذي الحال!
ليلة أمس زارني هدهد لم أشاهد من قبل له مثيلا؛ لقد كان جميلا عذب الصوت، أخذ ينقر في رأسي، أحصيت عدد ما فعل فكان سبعة، لكم أن تتخيلوا أن الهدهد عند كل نقرة يهمس في أذني؛ في المرة الأولى أخبرني بأن حوتا عملاقا سيشرب ماء النهر وأن الأسماك ستختفي ولن يجد الناس ماء يشربونه ناهيك أن يغتسلوا به، وأنهم بطبيعة الحال لن يتوفر لهم طعام منه.
بدأت الظنون والهواجس تحيط بي؛ كيف يأتي حوت كبير ويشرب ماء النهر؟
تذكرت أن الشائعات تسري حين توظفها جهات عليا؛ لكن الهدهد عالجني بنقرة ثانية ومن ثم همس في أذني اليسرى:
سيكون فيل ضخم يضرب البيت، انتابتني رعدة،
خيم على ذهني سؤال:
أو جاء أبرهة الحبشي مرة ثانية؟
لكن هاتفي يخبرني أننا الآن نقترب من منتصف الألف الثانية لهجرة النبي!
لم يكتف الهدهد بهذا النبأ؛ أخذ يلطم خدي بجناحيه.
أوشكت أن أصحو؛ ثمة خدر يسري في جسدي؛ فتلك الليلة لم أتناول الخبز، لقد غلا ثمنه مجددا؛ فالروس أحكموا الخناق على سنبلات القمح، صارت البحار تسكنها الجنيات!
لم أشأ أن أترك حصر نقراته في وجهي؛ لكنه أحدث صخبا؛ أمسك بطرف عباءة جدي الصوفية التي نسجت من صوف أغنامنا الرحمانية، أدخلني فيها ثم ضرب بجناحيه وطار بي، شاهدت خياما وأغناما وإبلا تسير في قطار أدركت أن تلك رحلة الشتاء، رأيت رجلا يكاد وجهه يحمر لهبا!
وجدتني أمام الملكة في بلاد سبأ؛ لها جند كثيف؛ تلمع حرابهم ويخفون في ثيابهم كتابا مسطرة به كلمات غريبة، صور بأشكال عجيبة!
قال لي كلاما لم أفهم منه جملة واحدة؛ غير أنه أشار علي بأن أخبر الملكة أن النهر في النزع الأخير، حاولت أن أعرف منه أي الأنهار، هزأ بي، نطقت يمامة كانت صامتة:
كل أنهار بلاد الملح!
كنت قد سمعت من جدتي الحضراء مثل ذلك
ِتذكرت أن الطيور لها لسان، ترى من بعد نبي الله سليمان يفهم منطق الطير؟
حين تختفي حبات القمح ويندر السمك فالحوت الكبير لن يدع ماء يجري.
قمت من نومي فزعا، أسرعت إلى النافذة، إذا بهدهد يشبه الذي أريته في نومي يضرب بمنقاره تحت شجرة التوت العجوز!
بالقرب منه تتراقص حية فتحت فمها حتى ابتلعت القمر الذي لم يعد بازغا فوق تلة جادو!