استناداً إلى الشك في احتمالية وجود خلل في تطبيق «شلونك»، قررت دوائر الجنح في المحكمة الكلية تبرئة عدد من المواطنين والمقيمين من تهم مخالفة الاشتراطات الصحية ومغادرة دائرة الحجر المنزلي المخصصة لهم.
أصدر عدد من دوائر الجنح في المحكمة الكلية أحكاما ببراءة عدد من المواطنين والمقيمين من تهم مخالفة الاشتراطات الصحية، على خلفية اتهامهم بمخالفة إجراءات الحجر الصحي المنزلي.
وكان الادعاء العام قد أسند الى عدد من المواطنين تهم مخالفة إجراءات الحجر الصحي المنزلي الإلزامي، وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، وطالب بعقابهم وفقا لنص المادة 15 والقرارات المنفذة لها من القانون رقم 8 لسنة 1999 بشأن الاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض السارية، والمؤثمة وفق المادة 17/2 من القانون السالف المعدل بالقانون رقم 4/ 2020.
وتتحصل وقائع بعض القضايا فيما ثبت بكتب وزارة الصحة من مخالفة المتهمين لإجراءات الحجر الصحي بالمخالفة لقانون الوقاية من الأمراض السارية، حيث تبين مخالفتهم من خلال رصد تحركاتهم عبر تطبيق برنامج «شلونك» المخصص لمتابعة الخاضعين للحجر المنزلي، الأمر الذي يتبيّن منه مخالفتهم لأحكام ومواد القانون رقم 8 لسنة 1969 بشأن الاحتياطات الصحية الوقائية من الأمراض السارية وتعديلاته، ولقرارات وتعليمات وزارة الصحة المنظمة لذلك، مما يعرّض حياة الآخرين لخطر العدوى.
وحيث إنه باستجواب المتهمين بتحقيقات الإدارة العامة للتحقيقات، أنكروا ما نُسب اليهم من اتهام، وقرروا فيها بوجود خلل في تطبيق برنامج شلونك، وأنهم لم يخرجوا من المنزل المحجورين فيه.
وحيث ثبت بكتاب تحريات المباحث المحررة أنها لم تتوصل إلى شيء يفيد التحقيق بخلاف ما قرره أطراف الواقعة، وإذ نظرت الدعوى أمام المحكمة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وفيها مثل المتهمون وقرروا أنهم لم يغادروا الحجر المنزلي نهائيا، والتزموا به ولم يخالفوه، فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم ليصدر بالجلسة المنعقدة.
شك في التهمة
وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، برئاسة القاضي مشاري الجدعي، إنها تشير تقديما لقضائها الى أنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز «أنه يكفي في المحاكمات الجزائية أن تشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى أحد المتهمين لكي تقضي له بالبراءة، مادام حكمها يشتمل على ما يفيد بأنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي، فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام، وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها».
وذكرت أنه من المقرر في قضاء تلك المحكمة أن تستخلص من سائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها مادام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلّة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق».
ولفتت المحكمة الى أن المقرر في قضاء تلك المحكمة أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلّة وعناصر في الدعوى، وأن تأخذ من أيّ بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلا لحكمها، إذ العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناعها بناء على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو ببراءته.
وقالت إنه من المقرر في قضاء تلك المحكمة أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة».
غياب الأدلة
وأوضحت أنه بالبناء على ما تقدّم وهديا به، فإن المحكمة في حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى وتجزئتها والأخذ منها بما تطمئن إليه، واطّراح ما عداه، لا تساير الادعاء العام فيما ذهب إليه بشأن التهم المسندة إلى المتهمين، إذ داخل قناعتها الريب والشك، ونازعت بواطن عقيدتها الشبهات ما لا يقوم معه للاطمئنان لديها ثمّة محل، وآية ذلك ودليله لدى هذه المحكمة خلو الأوراق من أي دليل يقيني معتبر يصلح للتعويل عليه في إدانة المتهم سالف الذكر، أو يدلل على نسبة الفعل اليه، بل أحيط بالتهمة المنسوبة إليه ظلال كثيفة من الشك والريبة التي تصم الأوراق بالوهن والاحتمال الذي لا يورث أي يقين بالإدانة من عدة أوجه، فلم يثبت في الأوراق وما تم فيها من تحقيقات قيام المتهم بكسر الحجر المنزلي المفروض عليه وعدم التقيد به.
خلل «شلونك»
وقالت إنها لا تطمئن لمضمون الشكوى المرفقة في الأوراق في ظل إنكار المتهم للتهمة المنسوبة إليه بدفاع معقول ومتصوّر ويتماشى مع حقيقة الواقعة من احتمالية وجود خلل في برنامج تطبيق شلونك، تبين منه عدم وجوده ضمن نطاق دائرة الحجر المنزلي، خاصة أنه لم يتم انتقال أي من الموظفين المختصين من وزارة الصحة للتأكد من وجوده في المنزل التزاما بالحجر المفروض عليه، أسوة بما هو جار عليه العمل من قبلهم، الى جانب ما ثبت من تحريات المباحث في الواقعة، والتي لم تتوصل إلى شيء يفيد التحقيقات بخلاف ما قرره أطراف الواقعة، ومن ثم فلا تصلح أدلة الإثبات بعد أن أحيطت بكثير من الشك والظنون أن تكون قرينة أو دليلا يساق به إنسان لدرك عتمة الإدانة في ظل قصورها البيّن طالما لم تعزز بدلائل وقرائن أخرى معتبرة متساندة تشير إلى حقيقة ارتكاب المتهم السالف الذكر التهمة المسندة إليه، بصورة تجر المحكمة بالنظر لما أحيط بهذه الواقعة من ظنون وشكوك للقول باحتمالية عدم ثبوت صحة وسلامة إسناد هذه التهمة اليه، الأمر الذي لا تصلح معه أدلتها القاصرة من بعد ما أحيط بها من ظنون وشكوك تكون سندا لأي إدانة أو مستوجبا لأي عقاب، بما يجر المحكمة من منطلق قاعدة أن الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين لا الظن والتخمين لإمكانية القول باحتمالية عدم ثبوت نسبة التهمة السالفة البيان إلى المتهم.
ومن ثم وإزاء قصور التحقيقات والتحريات وخلو الأوراق من أي دليل جازم يثبت على وجه القطع واليقين أن المتهم السالف الذكر ارتكب الاتهام المسند اليه، وبناء على ما قام لدى هذه المحكمة من شك في هذه الواقعة مما لا يبلغ الحد الذي يكفي قناعة الإدانة لديها، فإنه يتعين عليها انطلاقا من قاعدة افتراض البراءة في الإنسان طالما لم ينقض ذلك الافتراض بأدلة مثبتة للجريمة التي تسببت اليه القضاء ببراءة المتهم السالف الذكر مما أسند اليه من اتهام، عملا بنص المادة 172 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.