بعد عامين من البحث والجهد، نجح فريق هندسي من قطاع غزة في الوصول إلى نماذج أصلية للمباني والمعالم الفلسطينية التاريخية التي استولى عليها الاحتلال “الإسرائيلي”، إضافة إلى الأماكن المعرضة للخطر والاندثار، واستطاعوا تحويلها إلى مجسمات مادية عبر مشروع نمذجة الآثار التاريخية المعمارية للمدن الفلسطينية؛ بهدف توثيقها وحفظ معالمها، خاصة التي بنيت في عقود زمنية مختلفة، خشية أن تختفي في يوم من الأيام مع الزمن نتيجة الهدم والطمس التي تتعرض له من قبل الاحتلال.
ويتكون الفريق من عدة مهندسين معمارين؛ حيث تمكنوا من بناء مجسمات مصغرة بتفاصيل دقيقة لنحو 25 مبنى لا تزال موجودة في مدن حيفا ويافا، إضافة إلى أرشفة رقمية لأكثر من 50 معلماً دينياً ومنزلاً أثرياً بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتنتظر هذه النماذج الرقمية أن تتحول إلى مجسمات مصغرة إلى جانب كونها مرجعًا علميًا.
وقال صاحب فكرة المشروع حسين نعيم، في تصريح لـ”المجتمع”: إن فلسطين تحتوي على معالم وآثار جميلة جداً، منها ما تعرض للهدم، وأخرى معرضة للتهويد؛ ومن هذا المنطلق أردنا أن نكوّن أرشيفاً يُمكننا من حفظ تراثنا وهويتنا حتى لا يطمس وتختفي معالمه وليكون مرجعاً أثرياً تاريخياً.
وأضاف نعيم أن كل عمل من تلك المجسمات صُنع بأدق التفاصيل الخاصة بالزوايا والنوافذ، والأبواب، والحدائق، والساحات، والأعمدة، والأسقف، والجدران، كذلك الزخارف والرسومات والملامح العامة للمباني الأصلية.
وأوضح أن المشروع يحاول نقل مجموعة مبانٍ من الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يتمكن المُهتمون في المجال العمراني، وطلبة تخصصات الهندسة المعمارية والتصميم في قطاع غزة من الوصول إليها، من خلال صناعة مجسمات، تُحاكي وتُجسد تفاصيلها وملامحها.
وشدد على أن التركيز ينصب على المباني التي تتعرض للخطر، إذ يُحاول الاحتلال “الإسرائيلي” تهويدها، وتغيير معالمها، أو تغيير تاريخها وزمن البناء الخاص بها، إذ يجري نمذجتها وتحويلها إلى مجسم صغير الحجم، ولا يقتصر العمل على صناعة المجسمات إلكترونيًّا وواقعيًّا فقط، بل يُرفق بكل عمل تفاصيل كافية عن المجسم، وعن تاريخ المبنى السكني أو العام، وسُكانه، ومراحل تطوره.
وأشار إلى أن المشروع جاء لحفظ المباني الأثرية القديمة، التي ترجع إلى عشرات ومئات السنين، أي ما قبل وجود الاحتلال “الإسرائيلي”، الذي يدعي بأن فلسطين كانت خالية من المباني والتراث.
وأضاف نعيم أن حفاظنا على هذه المباني، وتجسيدها في مجسمات إلكترونية ومجسمات على أرض الواقع، يدحض الرواية “الإسرائيلية”، ويُبقي تلك المباني القديمة في ذاكرة الأجيال.
وتابع: يمر تنفيذ المشروع عبر سلسلة خطوات، تبدأ بتحديد المبنى الأثري، وفق معايير محددة وأهمها، الرمزية المعمارية، أو الشكل اللافت، أو التاريخ المُميز، ومن ثم بدء مرحلة البحث عن المخططات أو الصور القريبة من الواقع.
ويقوم أعضاء الفريق بنمذجة العديد من المباني القديمة مع إرفاق جميع الصور والتفاصيل والمعلومات والمُخططات الخاصة بها في لوحات جرى تثبيتها إلى جانب المجسم، مثل المدرسة العمرية، وخان العمدان، والكبكية، وبيت الشرق، ودير القديس، ومحطة اللطرون، وسرايا بيسان، وسرايا صفد، ومئذنة الغوانمة، وفيلا سلامة، والمسجد الأقصى، وملامح مدينة القدس، والمسجد القبلي.
ويسعى المشروع إلى تعريف المجتمع والمُهتمين بالموروث العمراني، وتعزيز الروح الوطنية، من خلال مُتابعة البحث عن الرموز المعمارية، وإظهار مدى التقدم المعماري لدى الفلسطينيين قبل النكبة وعبر العصور في فلسطين، إلى جانب دعم وتعزيز الإرث المعماري الفلسطيني وتنميته وإظهاره، ويأملون بامتلاك بنك معلومات كامل، من خلال صناعة مجسمات لكل المُدن الفلسطينية المُحتلة، تسرد قصتها للأجيال القادمة.
ويرى القائمون على المشروع أنه يأتي في ظل الهجمة “الإسرائيلية” الشرسة على القضية الفلسطينية والتراث الفلسطيني وانعدام الاهتمام الجدي للموروث المعماري لفلسطين المُحتلة، أو أنشطة مُشابِهة لتدريب الطلاب الجامعيين على العمارة، إلى جانب عدم وجود أي معارض تُظهِر الموروث العمراني، أو مهندسين يهتمون بالتصميم المعماري المُرتبط بالعمارة الفلسطينية الحديثة والقديمة.
ويأمل الفريق بامتلاك بنك معلومات كامل لكافة المباني الفلسطينية وصناعتها عبر مجسمات لتكون ملموسة لدى سكان القطاع الذين لم يتمكنوا من رؤيتها أو زيارتها بسبب قيود الاحتلال المفروضة عليهم.