إيماناً منها بحقوق ذوي الإعاقة البصرية، شقت الفنانة التشكيلية تيماء سلامة طريق تحقيق حلمها الذي راودها طويلاً، فنجحت بعد جهد استغرق عدة شهور في تحويل قصة شعبية إلى كتاب مطبوع بلغة خاصة يتمكن من خلالها المكفوفون من قراءتها وفهمها بعد التحسس عليها.
تيماء سلامة، تبلغ من العمر 22 عاماً، خريجة في كلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصى بقطاع غزة، جاءتها فكرة الكتاب عندما كانت في معرض فني بغزة، واستوقفها مشهد فتاة معاقة بصرياً، تشرح لها زميلتها عن اللوحات الموجودة في المعرض.
ومنذ ذلك التاريخ، قررت تيماء أن يكون في ريشتها إبصار للمكفوفين للتمتع بالفن، وقررت أن تعمل على تقنية جديدة تعتمد على رسم لوحات مجسمة يمكن للمكفوفين لمسها والإحساس بجمالياتها، خاصة أنهم من الفئات الفعالة والنشيطة في المجتمع.
وتجلس تيماء في مرسمها ساعات طويلة قد تصل لأكثر من عشر ساعات يومياً من أجل طباعة قصص ونحت رسومات خاصة بالمكفوفين، حتى نجحت في طبع قصة “الحطاب والشجرة”، وهي قصة فلسطينية ذات طابع شعبي عملت على تحويلها بلغة “برايل” الخاصة بالمكفوفين.
مراسل “المجتمع” في غزة التقى الفنانة الشابة تيماء سلامة من أجل التعرف على ما أنتجت للمكفوفين.
وقالت سلامة لـ”المجتمع”: بدأت العمل قبل عامين، حيث تفاجأت بعدم وجود أي عمل فني لفئة المكفوفين في قطاع غزة، بعد أن طرحت السؤال لأحد المكفوفين، فحاولت التفكير في عمل فني يُمكن هذه الفئة من التفاعل مع قصص الأطفال، فكانت قصة “الحطاب والشجرة”.
وأضافت تيماء: بدأت رحلة العمل باختيار القصة، فكانت “الشجرة والحطاب” ذات الطابع الشعبي لمحاولة إبرازها وإحيائها، ومن ثم بدأت في رسم “السكتشات” واختيار عدد الصفحات، وصولاً إلى نحت الرسومات وصب القوالب.
وبينت أن قصة “الحطاب والشجرة” يمكن إنتاج عدد لا محدود منها لفئة المكفوفين على عكس قصص أخرى لا يمكن عمل نسخ منها، مؤكدة قدرة المكفوفين أنفسهم من إنتاج هذه القصة من خلال صب القوالب والكتابة بلغة “برايل”.
وأوضحت أن إنتاج القصة مر بمراحل معقدة حتّى أخرجتها بشكل متكامل في اثنتي عشرة صفحة.
وفي التفاصيل، ترفع تيماء مجسماً يُجسّد الشجرة مصنوعاً من مادة شفافة خفيفة الوزن ومرنة من داخل قالب مصنوع من مادة الجبس، لتبدأ في تقليمها من الزوائد وتحديد معالمها بشكل دقيق باستخدام مقص ومن ثم ترش على الشجرة ألواناً فاتحة، تجذب نظر الشخص المُبصر الذي قد يطّلع على هذه القصة.
وفور الانتهاء، تبدأ بتنظيف القوالب المخصصة لصبّ المجسمات التي صنعت من مادة تم التوصل إليها بصعوبة، كما قالت، مضيفة أن هذه المادة خضعت لتجارب وإضافات عديدة لمواد مختلفة حتى وصلت إلى هذا الشكل.
وأوضحت أن القصة بحاجة إلى مجسمات خفيفة الوزن، تمكّن الشخص الكفيف سواء الطفل أو غيره من إمساكها وتصفحها بشكل سلس.
وذكرت أن صناعة المجسّمات من مواد صلبة وثقيلة من شأنها أن تشكّل عنصر إزعاج للقارئ الكفيف، فكان البحث عن مواد خفيفة لها ملمس مميز وغير قابلة للكسر.
وحول الصعوبات التي واجهتها، أشارت تيماء إلى أن مجرد التفكير في إنتاج هذا العمل كان بمثابة رحلة مليئة بالتحديات، بالإضافة إلى انقطاع الكثير من المواد بعد فترة من استخدامها كان من أبرز الصعوبات، الأمر الذي جعلها تلجأ إلى مواد موجودة في الحياة اليومية مثل الطين والصلصال والجبس.
طموح تيماء
وأكدت أن طموحها لن يتوقف عند إنتاج هذه القصة، وستواصل عملها في إنتاج المزيد لفئة المكفوفين، بالإضافة إلى طموحها للمشاركة في المعارض العربية والدولية.
وقالت: إنتاج القصة بحاجة إلى فنان ومصمم ومخرج ومدقق، هذه الأمور كلها أشرفت عليها بنفسي وخضعت للتجربة والبحث حتى وصل العمل إلى هذا المُخرج.
وعن أول تجربة لقراءة هذه القصة من المكفوفين، قالت سلامة: كانت اللحظات الأولى مفعمة بالسعادة والبهجة.
وعبّرت عن طموحها لإنتاج نسخ من القصة، مبينة أن ذلك يتطلب إمكانيات مادية غير متوفّرة لديها، الأمر الذي يحول دون وصولها لعدد أكبر من المكفوفين.
وأضافت أنها تعكف حالياً على إنتاج قصة خاصة بالمكفوفين، مكوّنة من نسخة واحدة فقط، من خامة “القماش الجوخ”، وهي قصة شعبية تُسلّط الضوء على دور العائلة في تقديم الدعم للأطفال وأنها سر نجاحهم.
وبينت أن القصة تعتمد أيضاً على رسومات مصنوعة من القماش والخيوط والخرز الملّون، التي تبرز عن السطح الذي تُثبت فيه بشكل يُمكّن المكفوفين من لمسها وقراءتها.
وأوضحت أن إنتاج النسخ من هذه القصة أمر صعب للغاية وذلك لعدم وجود قوالب تساهم في رسم وصناعة أحداثها وتفاصيلها.
وقالت: إنها طرحت في لوحاتها عدة مواضيع بعضها متعلّق بالتراث الفلسطيني، مبينة أن فلسطين لها تراث جميل ومعبّر كان لا بدّ أن يكون محطة لهذه البداية الفنية.
كما سلّطت تيماء الضوء على الإغلاق الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني على القطاع خاصة البحري، فعبّرت في لوحاتها عن وضع البحر والصيادين، ورغم جمال البحر فإنه يعدّ مساحة مغلقة أمام العمل والاستجمام، مضيفة أنها دمجت في هذا العمل بين الجمال والمأساة، ونقلتها إلى المكفوفين.