تعاني مجتمعاتنا المسلمة من ظاهرة العلاقات المحرمة بين الجنسين عبر وسائل التواصل التي انتشرت في زمننا، ولأننا لسنا كالغرب الذي يحيا لا يعرف في الوجود إلا حياته الدنيا فهم يستمتعون بلا ضابط ولا رقيب، إلا النزر اليسير من بقية فطرة كادت تمحى تحت وطأة المادية؛ فنحن نعيش بين مؤثرين مختلفي الاتجاه، نعيش بين دنيا وآخرة، بين رغبة وشريعة، ولذا فهذا النوع من العلاقات يخلف في مجتمعاتنا آثاراً سيئة للغاية.
آثار نفسية
ومن الآثار السيئة لهذه العلاقات آثار نفسية مدمرة، منها السخط العام على الحياة، والسخط الخاص على الشريك والأسرة، وشيئاً فشيئاً يتعزز في النفس شعور بالظلم، وأنني كنت أستحق حياة أفضل، وفي ظل حتمية قيام الأسرة وعدم إمكانية هدمها بسبب الأولاد مثلاً، أو بسبب القصور المادي، يشعر الشخص بالقهر؛ ما يورثه الحزن والكآبة، وقد يصل لحالات متقدمة من الاكتئاب والانطوائية، بسبب الاضطراب المزاجي، فهو يعيش حيث لا يستريح ويتصور راحته حيث لا يعيش، وتالله إنه لبلاء عظيم.
آثار اجتماعية
وفي حالات ليست بالقليلة، يصل الأمر بين المتزوجين لحد الطلاق، ظناً من الشخص أنه نجاة من هذه الآثار النفسية السيئة، فإذا به يضاعف الهم بهم من جديد، فيعيش بين بيت هدم أركانه وعليه واجب ترميمه، وسراب من الحب كان يراه حتى إذا جاءه لم يجده إلا وهماً، فلا يرى إلا إنساناً عادياً أحسن التواصل معه من خلف الشاشات، فلما صار الموهوم واقعاً رآه على حقيقته، ولربما كان الشريك الأول أفضل عشرات المرات، لكنه الوهم يا صديقي ومرض اللهث خلف ما لا أملك.
الدوافع والعلاج
وبالنظر القريب، تتبين لنا أهم دوافع تلك الظاهرة، ومن ذلك:
أولاً: الفراغ:
فراغ الوقت من العمل، وفراغ العقل من الهدف، وفراغ القلب من القيم، وقديماً قالوا: نفسك إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجرد الاستسلام للفراغ وعدم الاستفادة منه، فقال: «اغتنم خمساً قبل خمس»، وذكر منها «فراغك قبل شغلك»، فما بالك لو ضيع المرء وقته فيما يعود عليه بالضرر في نفسه وأسرته ودينه وآخرته؟!
ثانياً: السهولة والسرية:
ومما يشجع على هذا النوع من العلاقات المحرمة سهولته وخفاؤه، نفسياً لا يحتاج هذا النوع جرأة كالتي تحتاجها العلاقات المباشرة، فالشخص، رجلاً كان أو امرأة، مختبئ خلف شاشته، لا يراه أحد، يدفعه الأمان النفسي وشعوره بأنه بعيد عن أعين الناس فيقدم، فلا فضيحة يخشاها، ولا عين يرعاها، فما الذي يمنعه؟! اللهم إلا أن يعصمه دين وإيمان.
وعلاج هذا يكون بزرع وازع في النفس من الدين والأخلاق والقيم، من الدين بأن يرقب الإنسان عين الله التي تراه وتحيط به وتحصي عليه كل أفعاله.
ووازع من الأخلاق بأن يتمثل سلوك الكرام، وليتعفف عما يكره أن يطلع عليه الناس.
ومن القيم بأن يمتنع عما لا يرضاه لأهل بيته، فـ«كذلك الناس لا يرضونه» (رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي).
ثالثاً: ضعف التربية الإيمانية:
سواء بتقصير الأهل تجاه الصغار في تنشئتهم على الدين والأخلاق وإيثار الآخرة ومراقبة الله، أو بتقصير الشخص نفسه في الكبر فلا يتدارك ما قصر فيه أهله صغيراً، بل ينجرف في تيار الحياة المادية، وقلما يتذكر أن له قلباً يجب أن يسقى بماء الإيمان.
رابعاً: الجوع العاطفي:
ليس هذا النوع من العلاقات مقتصراً على فاقدي الشريك (السناجل)، بل هو شائع في أوساط المرتبطين، وفي هذه الحالة يكون من أقوى الدوافع لهذه العلاقات الجوع العاطفي والنفسي، وعدم الشعور بالشبع والكفاية مع الشريك، وذلك راجع إلى أمور، منها:
– قد يكون الشريك فعلاً مقصراً، لكن عندئذ ليس الحل اللجوء لمحرمات، بل التواصل الفعال مع الشريك ولفت نظره، وزرع الرضا في النفس تجاه محاولاته.
– وقد يكون الشريك قائماً بواجبه، لكنَّ الشخص من النوع الساخط على حياته فاقد الرضا بقدره، طماع لا حد لشبعه، يأبى إلا أن يبحث عن متعته في غير حلها، وأمثال هؤلاء غالباً لا يقر لهم قرار، ويظلون يلهثون طول عمرهم عما ليس في أيديهم، ذاهلين عن إمكانية أن يستمتعوا بما يملكون.
وهؤلاء عليهم فقط الرضا والنظر بعين القناعة، والعلم بأن الكمال في هذه الدنيا عزيز، والتسليم للنقص البشري المركب فينا، فكما أن بشريكي نقصاً فكم فيَّ من النقائص، وعليَّ الرضا به وعليه الرضا بي، فذلك أرْوَح للحياة وأسلم للدين والعرض.
ولينظر الإنسان إلى محاسن شريكه قبل المساوئ، وعلى الأقل يزن هذه بتلك فلا يكون ظالماً، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يَفرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (أخرجه مسلم عن أبي هريرة).
إن المتعة التي يبحث عنها الشخص خلف الشاشات أو في مكالمة تليفونية ما هي إلا وهم وسراب، ولا أدل على ذلك من احتراف بعض الناس لها، فهل تتصور في امرأة تهاتفك أو تتعرى لك أمام الشاشة مقابل أجرة، هل تتصور أنها محبة عاشقة ولهانة، إنك إذن لأحمق، هذه مهنة ونوع من التمثيل، فهل ترضى بالتمثيل بديلاً عن حقيقة تملكها في واقعك؟!
فتأمل أيها المفتون.