- ما حكم دعاء ليلة النصف من شعبان؟ وهل ورد في هذه الليلة أحاديث صحيحة؟
– ليلة النصف من شعبان لم يأت فيها حديث وصل إلى درجة الصحة، هناك أحاديث حسَّنها بعض العلماء، وبعضهم ردها وقالوا: إنه لم يصح في ليلة النصف من شعبان أي حديث.. فإن قلنا بالحسن، فكل ما ورد أنه يدعو في هذه الليلة، ويستغفر الله عز وجل، أما صيغة دعاء معين فهذا لم يرد، والدعاء الذي يقرأه بعض الناس في بعض البلاد، ويوزعونه مطبوعاً، دعاء لا أصل له، وهو خطأ، ولا يوافق المنقول ولا المعقول.
في هذا الدعاء نجد هذا القول: “اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً أو مطروداً أو مقتراً عليَّ في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني وطردي، وإقتار رزقي وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً موفقاً للخيرات كلها، فإنك قلت وقولك الحق في كتابك المنزل وعلى لسان نبيك المرسل: “يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب”.
ففي هذا الكلام نرى تناقضاً واضحاً: ففي أوله يقول: إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً، فامح هذا وأثبتني عندك في أم الكتاب سعيداً مرزوقاً للخيرات؛ لأنك قلت: “يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب”، فمعنى الآية أن “أم الكتاب” لا محو فيها ولا إثبات، فكيف يطالب بالمحو والإثبات في أم الكتاب.
ثم هذا الكلام ينافي ما جاء في أدب الدعاء، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “إذا سألتم الله فاجزموا في المسألة”، لا يقول: يا رب اغفر لي إن شئت أو ارحمني إن شئت، أو ارزقني إن شئت، فإن الله لا مكره له، بل ينبغي أن يقول: اغفر لي، وارحمني، ارزقني.. بالجزم واليقين؛ لأن هذا هو المطلوب ممن يدعو ربه عز وجل.
أما تعليق الدعاء على المشيئة الشرطية بقول الداعي: “إن شئت” كما سلف، فليس هذا أسلوب الدعاء، ولا أدبه، ولا أسلوب المفتقر الذليل إلى ربه، بل هو أسلوب أشبه بأسلوب التأليف الركيك الذي لا يقبل في مثل هذا المقام من عباد الله المؤمنين.
وهذا يدلنا على أن الأدعية التي يضعها البشر ويخترعونها كثيراً ما تكون قاصرة عن أداء المعنى، بل قد تكون محرفة ومغلوطة ومتناقضة، إنه ليس أفضل مما ورد عن النبي صلى لله عليه وسلم من أدعية مأثورة، لأنه يترتب عليها أجران؛ أجر الاتباع، وأجر الذكر، فعلينا دائماً أن نحفظ هذه الأدعية النبوية، وأن ندعو بها.
أما ليلة النصف من شعبان، فمعظم ما يفعل فيها من أشياء ليس وارداً، ولا صحيحاً ولا من السُّنة في شيء.
أذكر أني كنت أقوم في صغري مع الناس تقليداً لهم، فنصلي ركعتين، وغير ذلك، وكل هذه تعبدات ما أمر الشرع بها، والأصل في العبادات الحظر.. ليس للإنسان أن يخترع في عباداته ما يشاء؛ لأن الذي من حقه أن يعبِّد الناس وأن يرسم لهم العبادة هو الله عز وجل، فعلينا أن نقف عند ما ورد، ولا نفعل أكثر من الدعاء المأثور، إن كان ذلك حسناً، والله أعلم.
العدد (2095)، ص73 – رجب 1437ه – مايو 2016م