د. حسن علي دبا
دعا د. يوسف القرضاوي إلى تقليل عدد الحجاج والأخذ بالرمي قبل الزوال حلاً لمشكلة الازدحام الشديد عند رمي الجمرات الذي قد يعرض حياة بعض الحجيج للخطر.
إن أول الحلول أن نقلل من عدد الحجاج الذين حجوا قبل ذلك حجة الفريضة، وربما حج كثير منهم مرات ومرات، وأن نوعّي هؤلاء بأنه أفضل لهم من حج النافلة أن يتبرعوا بمبلغ الحج لإخوانهم المسلمين الذين يموتون من الجوع، ولا يجدون ما يسد الرمق، أو يطفئ الحرق، أو الذين يحتاجون إلى مدرسة يعلمون فيها أبناءهم فلا يجدونها وبجوارهم مدارس التنصير تعرض عليهم أن تعلمهم مجاناً فيرفضوا، أو الذين يحتاجون إلى مستشفى لعلاجهم من الأمراض المتفشية بينهم، أو إلى مصنع يشتغل فيه العاطلون من أبناء المسلمين، ويسهم في تنمية مجتمعاتهم، أو إلى دار للأيتام تكفل من مات آباؤهم ولم يتركوا لهم شيئاً يعيشون به، إلى آخر ما يحتاج إليه المسلمون في أفريقيا وآسيا وغيرهما.
ورغب د. القرضاوي في إجازة الرمي قبل الزوال، مطالباً بأن “نوسع في زمن الرمي” ما وسع لنا الشرع في ذلك، حيث لا نستطيع أن نوسع المكان؛ إذ الرمي صغير كما هو معلوم، ثم لا بد أن يكون الرمي من مسافة قريبة، حتى يقع الحصى في المرمى، ولا يصيب الناس فيؤذيهم.
وما دام العدد كبيراً، والمكان محدوداً، فليس أمامنا إلا توسيع الزمان، وهو إجازة الرمي من الصباح إلى ما شاء الله تعالى من الليل.
وذهبت الفتوى إلى أن هذه المشقة التي يعانيها الناس عند الجمار لا يجوز نسبة القول بها إلى الشرع، ولا دليل على هذا التحديد لا من الكتاب ولا من السُّنة ولا قياس ولا إجماع، بل إن غاية القول فيها: إنه جرى على حسب الاجتهاد من الفقهاء الذين ليسوا بمعصومين من الخطأ، وليس من كلام رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى؛ (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم: 4)، فإن رمي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه فيما بين الزوال إلى الغروب هو بمثابة وقوفهم بعرفة فيما بين الزوال إلى الغروب، على أنه لم ينته بذلك حد الوقوف، بل الليل كله وقت للوقوف.
وبما أن الرمي من واجبات الحج، فإنه يتماشى مع نظائره من الواجبات؛ مثل النحر والحلق والتقصير، فيدخل بدخولها في الزمان، ويجاريها في الميدان، إذ الكل من واجبات الحج الذي يقاس بعضها على بعض عند عدم ما يدل على الفرق، وقد دلت نصوص الشريعة السمحة على أن الصواب في مثل هذه المسألة هو وجوب التوسعة، وعدم التحديد بالزوال، بل يجوز قبله وبالليل، كما دلت عليه نصوص طائفة من العلماء، فلم تجتمع الأئمة ولله الحمد على المنع، ولا على وجوب هذا التحديد، إذ كانوا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى الرسول، فيتبين لهم بذلك كمال دين الله وحكمة شريعته، وكونه صالحاً لكل زمان ومكان، وقد نظم حياة الناس أحسن نظام في شؤون عبادتهم من حجهم وصلاتهم وصيامهم.
وانتهت الفتوى كذلك إلى أن الرمي ليس من أساسيات الحج، فهو يتم بعد التحلل الثاني من الإحرام بالحج، وتجوز فيه النيابة للعذر، كما أجاز فقهاء الحنابلة أن يؤخر الرمي كله إلى اليوم الأخير، وكل هذا يدل على التسهيل فيه، وعدم التشديد.
واستشهد د. القرضاوي برسالة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، رئيس المحاكم الشرعية في قطر، رحمه الله، في المناسك، تحت عنوان “يسر الإسلام”، التي أجاز فيها الرمي قبل الزوال، مدللاً على ذلك باعتبارات وأدلة شرعية قوية، مشدداً على أن الضرورة توجب ترجيح فتواه.
وأكد القرضاوي أن على العلماء في كل بلد أن يقوموا بمهمة توعية الحجاج –مصاحبين لهم في رحلتهم، وقبل أن يسافروا لأداء شعيرتهم– بما يجب عليهم من الرفق والسكينة وعدم استخدام العنف، كما ينبغي ترغيب بعض الحجاج في التأخر وعدم التعجل حتى لا يتزاحموا في اليوم الثاني؛ استعجالاً للنزول إلى مكة، فلو بقي عدد معقول إلى اليوم الثالث لأسهم في تخفيف الزحام.
__________________________________
العدد (1343)، 5 من ذي الحجة 1419ه/ 23 مارس 1999م، ص46.