منذ منتصف القرن الماضي، والأمم المتحدة تحاول غزو العالم الإسلامي فكريًّا، على خلفية النهوض بالمرأة، وفي كل محاولة تفاجئنا بالجديد والجريء في مجال ما أسمته (حقوق المرأة)؛ التي لم تخرج عن محاربة التشريعات الإسلامية، والسعي الحثيث نحو إصدار تشريعات تبيح للمرأة الحق في الزنى والشذوذ، وفي معاقبة زوجها إذا أكرهها على معاشرته، إضافة إلى تغيير منظومة القيم الوطنية، ونشر ثقافة ما عُرف بـ(التنوير!) التي ترى أن المرأة شريكة الرجل ولا يحق له أن يكون قيّمًا عليها.
مؤتمراتٌ أُمَمِيّة لفرضِ النموذجِ الغربيّ
بدأت الأمم المتحدة تهتم بحقوق المرأة منذ عام 1948 عندما أصدرت «ميثاق حقوق الإنسان» وأكدت فيه أن المساواة بين الجنسين حق أساسي من حقوق الإنسان، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا عقدت العديد من المؤتمرات من أجل توقيع المعاهدات والاتفاقيات الداعية إلى الحرية الجنسية للمرأة؛ فكان أول مؤتمر في المكسيك عام 1975، أما المؤتمر الثاني فعُقد في الدنمارك عام 1980، وعُقد المؤتمر الثالث في كينيا عام 1985، وعُقد المؤتمر الرابع في بكين عام 1995، ثم مؤتمر (بكين + 5) في نيويورك عام 2000، ثم مؤتمر (بكين +10) في بكين عام 2005م، ثم مؤتمر (بكين + 15) في نيويورك عام 2010. وبين كل مؤتمر والمؤتمر التالي له تعقد الأمم المتحدة مؤتمرات، بشكل سنوي تقريبًا، لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في المؤتمرات السابقة.
فضلًا عن مؤتمرات أخرى كثيرة ذات صلة، بهدف فرض النموذج الغربي الإباحي على الأسرة المسلمة وخصوصًا ما يتعلق بالمرأة والطفل، منها:
– مؤتمر «البيئة والتنمية» في «ريو دي جانيرو»، عام 1992، الذي أكد أهمية مساواة المرأة بالرجل.
– مؤتمر «حقوق الإنسان» بـ«فيينا» عام 1993؛ لتأكيد حقوق النساء والأطفال بالمفهوم الغربي.
– مؤتمر «السكان والتنمية» الذي عُقد بـ«القاهرة» في سبتمبر عام 1994، وجاء بكثير من التوصيات الداعمة لأنماط من الحياة الاجتماعية التي تحطم الحواجز الأخلاقية وتعارض القيم وتنشر الإباحية باسم الحرية.
– مؤتمر «المستوطنات البشري» بـ«إسطنبول» عام 1996، والذي سوّق لنموذج القيم الغربية، وأكد ضرورة تنفيذ توصيات مؤتمر بكين.
ويتم في هذه المؤتمرات إصدار توصيات ومعاهدات واتفاقيات تكون ملزِمةً للدول التي وقّعت عليها، وتعطي الأمم المتحدة أهمية بالغة لهذه المعاهدات والاتفاقيات إلى درجة تصبح فيها مرجعية عُليا لشئون المرأة في العالم، متجاوزة بذلك الخصوصيات الثقافية والعرقية والدينية للشعوب؛ وبهذا أصبحت هذه الاتفاقيات والمعاهدات تشريعات دولية تجعل من المرأة كائنًا عالميًّا ذا مواصفات وقياسات دولية تتجاوز حدود الثقافات والأديان، ويتم فرض هذه التشريعات على الدول والشعوب بالضغط الاقتصادي والسياسي والابتزاز؛ لتحل محل الدين.
نتائجُ مُدمّرة
لقد أدت تلك المحاولات الأممية الدءوب، والتي تجد آذانًا صاغية من الحكومات العربية والإسلامية، إلى تزايد النشاط النسوي، وإلى تزايد التمويل الأجنبي المشبوه للهيئات والجمعيات التي تتبنى أفكارها؛ ما أدى بالتالي إلى وجود تيار قوي يطالب بإعادة النظر في قوانين الأسرة في بلاد العالم الإسلامي، ومن ثم المطالبة بـ:
– إلغاء قوامة الرجل، وإلغاء طاعة الزوجة لزوجهـــا، والتخلـص مـــن لقـب (رب الأسرة).
– إلزام المرأة بالإنفاق في الأسرة.
– إلغاء ولاية الأب على الابنة في الزواج.
– إلغاء التعدد، وأن يكون الطلاق بيد القاضي، لا بيد الزوج.
– حرية المرأة في الإقامة والسكنى أينما شاءت.
– حرية المرأة في التصرف في جسدها.
– الاعتراف بنسب الأبناء غير الشرعيين.
– استحداث جريمة (الاغتصاب الزوجي).
– المساواة في المواريث بين الرجل والمرأة.
– إعطاء الشواذ حقوقهم.
وقد استجابت -للأسف- بعض الحكومات الإسلامية لما طُلب منها رغم اصطدامه المباشر بالشرع؛ ففي مصر-على سبيل المثال- صدر قانون الطفل الذي تشدد الفقرة (21) منه على نسب الطفل لمن يعترف ببنوته، حتى لو كان ذلك خارج نطاق الزواج، وحرّم القانون ختان الإناث وأحال من يقوم به إلى المحاكمة، ومنع توثيق الزواج لمن هم دون (18) سنة، وأعطى للطفل الحق في الإبلاغ عن والديه حال تعرضه للعنف. وفي تونس: تم إلغاء التعدد، وتحديد سن الزواج، وإرساء الطلاق القانوني، وتم إلغاء واجب طاعة الزوجة لزوجها. أما في باكستان: فقد طُرح مشروع قانون عارضته حتى النساء، يسمح لمن تتعرض للتحرش الجنسي أو أية إساءة أخرى من زوجها بتقديم شكوى بهذا الشأن إلى لجنة حماية، ثم إلى محكمة قضائية.
وماذا جنتِ المرأةُ الغربية؟!
وإذا كان هدف هذه الاتفاقيات والمواثيق هو ضرب الأسرة المسلمة بإفساد المرأة التي هي ركنها الركين وعمادها الأساس، واستنساخ نموذج المرأة الغربية في مجتمعاتنا، فلننظر إلى حال المرأة الغربية الآن والتي يقذفون بها في أسواق الرقيق حتى صارت تجارة النساء في الغرب تحتل المرتبة الثالثة بعد تجارة المخدرات والسلاح؛ فحسب تقارير منظمة اليونيسيف فإن المرأة الغربية تُباع الآن بخمسة آلاف يورو، أما الفتاة العذراء فتُباع بثمانية آلاف يورو، وأكد تقرير صادر عن المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان أن أكثر من أربعة ملايين امرأة يجري بيعهن سنويًّا حول العالم، وأن كثيرات منهن يقعن ضحايا العبودية المنزلية.
هذا هو الواقع المرير الذي تعانيه هذه المرأة التي أوردتها (حريتها) المزعومة هذه المهالك، بعدما أوحلتها في مستنقع الرذيلة فصارت هدفًا للرجل، الذي بات ينظر إليها ليس كجناح ثان للطائر وليس كشريكة حياة ونصف المجتمع، لكن باعتبارها (مومس)، له الحق في إهانتها والدوس على كرامتها، وأيضًا التجارة فيها بيعًا وشراء، ولِمَ لا وقد اعتبرها متاعًا شأنها شأن آلة اقتناها لراحته والترفيه عنه، فإن أصابه الملل منها أو انتهى عمرها الافتراضي ألقاها، أو استبدلها بأخرى!!