ما أجمل تربية الجدات لأبنائهن، ولأحفادهن كذلك، فكانت كل واحدة منهن لديها عشرة من الأبناء وقد يزيد العدد، ورغم أنهن لم يكن لديهن في ذلك الوقت أي شهادات علمية، فإنهن كن خبرة في التربية، فكانت كل واحدة منهن تحرص أشد الحرص على أن تهتم بأطفالها بأدق التفاصيل من تذكيرهم بمواعيد الصلاة، وتعليمهم الخوف من الله تعالى، والابتعاد عن الحرام، وقول الصدق مهما كانت الظروف.
وليس ذلك فحسب؛ بل كن يهتمن في التغذية السليمة لأبنائهن، الأمر الذي يجعل بنيتهم سليمة خالية من الأمراض، وكن بالوقت ذاته هن الطبيبات إذا ارتفعت درجة حرارة أي طفل منهم.
وهذا كله يأتي بجانب اهتمامها بزوجها وطاعته، والعناية بالبيت ومتطلبات الأسرة الناجحة، رغم أنها لم تتعلم في أرقى الجامعات، ولا حتى حصلت على دورات في التربية والتنشئة التي يروج لها اليوم في مفاهيم يحاول البعض من خلالها «دس السم بالعسل».
الودود الولود
هذه الصورة من الحياة الهادئة رغم كل الظروف التي تحيط بها من صعوبات وتحديات تختلف من زمان لآخر، ورغم بساطتها لكن أنجبت الداعية، والطبيب، والمهندس، والمعلم، والكثير من مجالات التخصص المختلفة التي يشار لها بالبنان.
حقيقةً المسؤولية كبيرة لكن الحب الذي حملته الجدات كان أكبر من الظروف الصعبة المختلفة، فكن يدركن أهميتهن في رعايتهن لبيتهن، وأنهن قادرات على العطاء مهما بلغ أعداد أطفالهن فهن أمهات جديرات بالتقدير.
وهذا الذي دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على الأولاد وتكثير النسل في اختيار الزوجة بقوله: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَم» (سنن النسائي)، ويعرف هذين الوصفين من خلال أقارب الفتاة، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض.
ومن مقاصد الشريعة الإسلامية التي تعد من الضروريات ألا وهي حفظ النسل، والذي من خلاله فيه تقوية الأمة الإسلامية.
محاربة الإنجاب
وبين فترة وأخرى تظهر وسائل جديدة من قبل أعداء الإسلام في محاربة الأسرة المسلمة من خلال استخدام وسائل ناعمة توصف بـ«الخبيثة»؛ حيث تجند لها من خلال بعض المؤسسات «النسوية» التي تتبع في تمويلها لجهات غربية وغيرها تحارب الإسلام من خلال أفكار جديدة تزرع بذرتها في عقل المرأة المسلمة ومن بينها في غزة.
هذه المؤسسات التي تجلب مصطلحات غربية لحياة غربية تحاول فيها احتلال عقل المرأة الفلسطينية من خلال الاكتفاء بإنجاب طفل أو طفلين بالكثير.
وهذه الفكرة يتم ترويج لها بكلمات عاطفية يعبرن بها على خوفهن على صحة المرأة، وجمالها، وعدم قدرتها على الإنجاب لأعداد كبيرة، فكل طفل جديد يعني تدهوراً في صحة الأم وجمالها، وكل طفل جديد سيتطلب مصاريف مالية كثيرة سترهق العائلة وتزيد من الأعباء خاصة في قطاع غزة المحاصر الذي تتزايد به نسبة الفقر.
وهذا الترويج يشبه ترويج الجاهلية حينما كانوا يخشون من الفقر بسبب الأبناء، فكانوا يقتلون أطفالهم خوفاً من الفقر فكان الرد حاسماً في قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (الإسراء: 31)؛ أي أن الله سبحانه وتعالى الذي رزق الآباء من قبل، هو ذاته من تكفل برزق الأبناء؛ بل أنه جعل الذرية سبب للرزق.
وبذلك آمنت الجدات بقلوبهن الطاهرة بأن الله تعالى هو من تكفل برزق الجميع، وهن ذاتهن من أنجبن العشرة؛ بل وأكثر من الأولاد وكن يتمتعن بصحة جميلة فالله حينما يكلف يعين.
تجربة فاشلة
وحينما نتأمل هذه الأفكار الخبيثة التي يروج لها حالياً سيكون له انعكاسات خطيرة خاصة إن اكتفت العائلة بإنجاب طفل أو طفلين فإنها غالباً ستدخل في قضية خطيرة، وهي «تحديد جنس الجنين»؛ الأمر الذي سيؤدي إلى نقص في جنس يقابله زيادة في الجنس الآخر.
وهذه تجربة فاشلة أدت إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية على مدار أجيال عديدة حينما منعت إحدى الدول أن تنجب الأسرة أكثر من طفل.
القضية الفلسطينية
وأيقن أن الترويج لهذه الأفكار له أبعاد كبيرة خاصة حينما يتم الحديث عن قطاع غزة؛ بل وعن فلسطين فهذا يعطي مسؤولية كبيرة لكل زوج وزوجة قادرين على الإنجاب ألا تتوقف مسيرتهما بطفل أو طفلين.
كل طفل جديد هو مشروع مقاوم، وجزء كبير من عملية تحرير فلسطين و«الأقصى» والأسرى، وهذا يؤكد أن قرار الإنجاب في أرض الرباط لم يعد مرتبطاً باختيار الأم والأب؛ بل أكبر من ذلك بكثير خاصة حينما نجد تغول الاحتلال وبطشه في آلياته الحربية في حروبه المتتالية على قطاع غزة فكم من عائلة أبيدت بأكملها.
وهذا يستدعي الوعي والفهم العميق لأي أفكار خبيثة يتم محاولة الترويج لها بحجج واهية تهدف من خلالها محاربة الإسلام، وإفشال مشروع المقاومة في التحرير.