في هذه الخطبة العصماء لشيخ منبر الدفاع عن الأقصى أوصى الشيخ أحمد القطان، أوصى المجاهدين في الأراضي المقدسة بثلاث وصايا؛ أولها: الالتزام بوحدة الصف وتماسكه، وثانيها: حث الفلسطينيين على الصبر، وثالثها: الثناء على طريقة الشيخ أحمد ياسين في التربية، وإليكم نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أعز المجاهدين ونصر المؤمنين وأعلى كلمة الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين ومن جاهد بجهادهم إلى يوم الدين.
أما بعد، عباد الله..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق)، وأوصيكم، أيها الأحباب الكرام، أن تنصروا بدعائكم المجاهدين في كل مكان في فلسطين وأفغانستان وعلى كل أرض يذكر فيها اسم الله، ورب دعوة صادقة من أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا تسلط عليه أجهزة الإعلام أضواؤها لو أقسم على الله لأبره، وما تخلو أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الصادقين المخلصين السابقين.
وحذار، عباد الله، من عمليات التطبيع القيصرية، نبرأ إلى الله سبحانه وتعالى أن نعاهد يهوداً أو نواليهم، أنت ولينا ورسولك والمؤمنون، وأسأل الله أن يفرج عن المسلمين في فلسطين، اللهم أطعم جائعهم، واكس عاريهم، واشف مريضهم، واجبر كسرهم، وفك أسيرهم، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم، وحقق بالصالحات آمالنا وآمالهم، وسدد رميهم، ومكن لهم يا رب العالمين، اللهم أحص أعداءنا وأعداءهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وألف بين قلوب المسلمين هناك وهنا وفي كل مكان واجعل كلمتهم ودعوتهم واحدة.
ألّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.
عباد الله..
إني أحبكم في الله، وأحمد الله أن جعل هذا المنبر جهاداً في سبيله، وكما قرأتم في الصحف في الأسبوع الماضي أن اليهود يلقون القبض على الأشرطة وحامليها، ويسجن من حمل شريطاً أو وزعه ستة أشهر، وجاءت الأخبار متواترة بهذا، فجلوسكم وأنفاسكم وتأييدكم في ميزانكم فهو جهاد، فلا تخشوا اليهود ولا عملاء اليهود والذي يخاف الله لا يخاف غيره.
أحبابنا الكرام..
أوجه النداء من منبر الدفاع عن الأقصى إلى المجاهدين هناك، فأقول لهم: احذروا من تمزق الصف، وشتات الكلمة، وكثرة التحزبات والتنظيمات، فإنها تفني العمل وتذهب بالمجهود وتشتت الفكر، فعدوكم واحد فكونوا في صف واحد، عدوكم لا يرحم.. هدم الدور، وسفك الدم، وأحرق المقدسات، ونحن نمر في هذا الشهر بذكرى حريق الأقصى الشريف، وأول ما حرقوا فيه منبر صلاح الدين ليعلم المسلمون أن العداء تاريخي وعقيدي وحضاري وإسلامي قبل أن يكون في أي اتجاه أو وجهة.
صلاح الدين هو الذي خلص «الأقصى» من الصليبيين أولياء اليهود، فهم يثأرون وينتقمون لأوليائهم، وفي هذا الشهر كانت مجزرة تل الزعتر، فصار الناس فيها زعتراً مطحوناً فوق الصخور، والدماء هي الزيت! وأذكر أن الأخبار جاءتنا أن بعض الناس من الجوع في حصار التل أكلوا أولادهم.. طبخوا المذبوحين لمن تبقى من الأحياء الباقين، لشدة الحصار والجوع! والمجاهدون في فلسطين الآن يعانون من الحصار ما يعانون، إن خمسين كيلو من الطحين بأكثر من اثني عشر ديناراً، ثم من أين له هذا وهو بلا عمل ولا وظيفة؟ يأكل الثرى والشجر؟ وأنبوب الغاز بتسعة دنانير، وكيلو اللحم بخمسة دنانير، والجوع يضني ويرهق، وقد كان الله يعالج جوع المسلمين في الخندق بالمعجزات والكرامات، ولكن هل نعالج جوعهم بالمعجزات والكرامات ونحن نملك المليارات ننفقها على الكرة.
أكثر من سبعمائة مجاهد في الخندق يجمعهم جابر بن عبد الله أو أبو طلحة الأنصاري في حادثتين على قليل من الطحين أو عنز صغيرة فيأتي الحبيب صلى الله عليه وسلم فينفخ في القدر، ثم بعد ذلك يغرف منه فيأكل العشرة بعد العشرة حتى يشبع الجيش كله وأهل البيت، فمن لأهل فلسطين اليوم؟
يوم أن أكل المسلمون في الماضي بالمعجزات ما كان أحد منهم يملك شيئاً، ما كانوا يملكون إلا دعاء الحبيب لهم: «إنهم حفاة فاحملهم، إنهم عراة فاكسهم، إنهم جياع فأطعمهم، إنهم عالة (أي فقراء) فأغنهم»، أثرى أثرياء أمتنا اليوم منا، بل أثرى رجال العالم، وهناك من يملك الأموال ما ضاقت به البنوك والمؤسسات والشركات يجمعها حطباً لجهنم لكي تكوى بها جباهه وجنوبه ولا يتلفت إلى الجائعين في فلسطين، يطعمونهم إعلانات وقرارات، يطعمونهم بيانات، إلى متى يصبر المجاهد هناك؟ عندما يقلعون زيتونته ويذبحون بهيمته ويهدمون داره؟ وهم في الهم والمصيبة سواء.
ثم يأتون المجاهدين ويقولون: لا تعمل في الشركات والمؤسسات والمصانع «الإسرائيلية».
أين يذهب صاحب الصبية السبعة والبنيات عندما يفتحون أفواههم من أول النهار إلى آخره يريدون الماء والحليب والخبز، ماذا يفعل أبوهم؟ والمسلمون يتعشون ويتمشون ويعالجون أمراض التخمة! نشكو إلى الله أحوالنا وأوضاعنا وإسرافنا وتبذيرنا فيما سيؤذينا عند لقاء الله يوم القيامة.
أحبابنا الكرام، هناك في فلسطين أقول لكم: وحدوا صفكم ولا تتناحروا عند سقوط الشهيد هذا منا أو هذا منكم ولا تتقاتلوا فيما بينكم، العدو واحد فليكن الصف واحد، وإخوانكم المجاهدون الأفغان من أسباب عدم فتح جلال أباد وكابول أن بعضهم أصيب بمثل هذا الداء، فنسأل الله أن يجمع شملهم هناك ضد الشيوعيين وأن ينصرهم على من عاداهم وعلى أنفسهم أولاً، فإن وحدة الصف سلاح ماضٍ فتاك وتمزيق الصف سلاح العدو، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103).