إن البركان الذي فجرته -بفضل الله وحده- المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي لن يغير فقط الشرق الأوسط، بل العالم كله! فمنذ الحرب العالمية الثانية حدثت بالمنطقة عدة حروب؛ بدءا من سيرك مشاركة الجيوش العربية في فلسطين، وكانت نتائجها نكبة 1948، ثم حرب 1956 وهزيمة جيش مصر وسوريا والأردن، ونكسة 1976 ثم حرب 1973 ونتائجها معاهدة الاستسلام “كامب ديفيد” و”أسلو”، كل ذلك لم يستدع الغرب أن يجمع خمس دول (هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) ليس لدعمه المطلق فقط لـ”إسرائيل” في محنتها بل ومشاركتها بصورة مباشرة، وأن ترسل أمريكا حاملتي الطائرات، وبريطانيا حاملة طائرات وفرنسا أكبر بارجتين، وزيارة رئيس أمريكا ووزير الخارجية والدفاع ومشاركتهم في مجلس الحرب “الإسرائيلي” مع 3 من كبار الجنرالات، وزيارة مستشار ألمانيا ورئيس وزراء بريطانيا، لكنه “طوفان الأقصى”!
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا كأقوى دولة اقتصاديا وعسكريا في العالم، كانت روسيا تلملم شملها، والصين تحاول النهوض، ولم يكن في وسع أي منهما محاولة المنافسة، لكن الآن الوضع اختلف؛ فروسيا دخلت أوكرانيا لكسر أي تهديد غربي، والصين تتحين الفرصة للانقضاض على تايوان.
أما إيران وتركيا فهناك تأييد معنوي قوي ومظاهرات داعمة، ولكن ليس هناك أية مؤشرات على خوض الحرب بدلا من البلاد العربية!
تتوقف على نتيجة حسم الصراع بين المقاومة الإسلامية في مواجهة كل قوى البغي عدة متغيرات على المستوى الإقليمي والعالمي:
على المستوى الإقليمي:
قررت غزة (المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي) النصر أو الشهادة، ومعهما كل طفل وامرأة.
ما زالت مشاركة الفلسطينيين بالضفة دون مستوى التأثير.
قرر التحالف الصهيوني الصليبي -وبتأييد أو صمت مخزٍ من بعض الأنظمة العربية- القضاء على المقاومة، ووأد الجذوة التي إن سرت أطلقت طاقات الأمة.
من المؤكد أن كل مسلم يؤمن بالكتاب كله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، لكن هذا تحليل للقوى بالرؤية البشرية القاصرة.
ماذا بعد استمرار أطنان المتفجرات التي تلقى على غزة طوال الأربعة والعشرين ساعة، مع الحصار الشامل؟
لا قدر الله.. إذا حدثت النكبة الثانية، وتم إخماد آخر شعلة أمل من الممكن أن تشعل يقظة الأمة؛ فإن غرور الانتصار لدى العدو لن يقتصر على غزة؛ بل سيتابع حملته العسكرية على جبهتين:
إنهاء الوجود الفلسطيني بالضفة.
اجتياح لبنان وإنهاء وجود حزب الله، وضم بعض الأراضي اللبنانية والسورية للنفوذ الصهيوني.
داخل “إسرائيل”:
إنهاء حالة التشرذم، والانطواء تحت قيادة نتنياهو وارتفاع أسهمه كقائد استعاد مجد “إسرائيل”.
وسيطرة الأحزاب الدينية واليمين المتطرف.
على مستوى المنطقة:
على المستوى العربي:
امتداد النفوذ الصهيوني من الخليج إلى المغرب، وتعدي مرحلة التطبيع الفردي، وقد نسمع من ينادي بعضوية “إسرائيل” بما يعرف بجامعة الدول العربية، وتمادي حالة الخنوع والذلة.
زيادة قبضة بعض النظم العربية ظلما وديكتاتورية وبطشا بشعوبها.
إن انكسار -لا قدر الله غزة – سيصيب الشعوب بحالة من اليأس والضياع وفقدان البوصلة.
دخول المنطقة في حالة من الاضطراب القيمي مما يؤدي إلى تهتك النسيج الاجتماعي.
انكماش وتقزيم دور كل من إيران وتركيا.
على المستوى العالمي:
استمرار حالة القطب الواحد حتى منتصف القرن الحالي على الأقل.
نجاح الحلف الغربي في هذا الحشد العسكري في وقت قياسي، والجسر الجوي والبحري لدعم “إسرائيل” وتنفيذ ما قرروا، هو رسالة واضحة لروسيا والصين بعدم تعدي الخطوط الحمراء.
إذن ماذا تنتظر الشعوب العربية؟
أن يبكوا ويقيموا السرادقات لتلقي العزاء في خمولهم وبلادتهم؟
نحن لا نريد من رجال الدين فتاوى؛ فمن المعلوم من الدين بالضرورة فرضية الجهاد، ولا نحتاج إلى خطب منبرية تشعل حماس المسلمين؛ فيخرجون في مظاهرات يجأرون بالهلاك لـ”إسرائيل”، وينهكون جهودهم دون فائدة.
لذا فكل رجل دين على علم بأن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية من منطلق حرب دينية، وهذا ليس استنتاجا أو تحليلا؛ بل إن أعداء الإسلام قد صرحوا بذلك علانية: وزير الخارجية الأمريكية قال: “أنا هنا في إسرائيل بصفي يهوديا وليس بصفتي وزير خارجية أمريكا”، أحد سفراء الكيان الصهيوني يحذر من أن إن لم يتحد النصارى واليهود في القضاء على المسلمين فسيدمرون العالم.
إذن هم أعلنوها حربا على المسلمين؛ فوجب على كل شيخ إعلان النفير العام للجهاد كفرض عين على كل مسلم قادر على مهاجمة القوات “الإسرائيلية”، ونصح ولي الأمر وقادة الأسلحة بفريضة الجهاد، وإلا فهو عاص لله ورسوله. وليتذكر كل شيخ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ”، ماذا يمكن أن يفعله لك عبد؟ إن القدر بيد الله.
بالنسبة لشيخ الأزهر عليه الإعلان عن قيادته لحملة إنسانية من قوافل طبية وغذائية، هناك الآلاف من منتسبي المهن الطبية المختلفة الذين يريدون المجاهدة في سبيل الله برعاية مصابي العدوان الصهيوني، وهناك الآلاف من الذين يريدون المجاهدة بالمال، وتجهيز ما تيسر من الشاحنات الطبية والغذائية؛ بحيث يكون هو في السيارة الأولى وتتجه إلى معبر رفح، وإن مُنع فعليه أن يعلن ما يمليه عليه منصبه؛ فالملايين ليس في مصر فقط، بل في كل العالم الإسلامي ينتظرون إشارة منه لتقوم الأمة من سباتها.
الضفة الغربية
أما في الضفة فنريد من رجال الدين قيادة هجوم من كل فلسطينيي الضفة، ومهاجمة المستوطنات وجيش الاحتلال؛ لأنهم لو انتهوا من غزة فسينكلون بالضفة حتى يخلوها من كل فلسطيني؛ حتى تشتعل الضفة (3 ملايين فلسطيني). كما يجب أن يقود رجال الدين الفلسطينيون بالأردن (5 ملايين فلسطيني)، ويلتحموا بإخوانهم فلسطيني الضفة.
حينها سرعان ما ستنتفض كل الشعوب الإسلامية، ويقومون بحرق كل سفارات ومصالح الدول التي أعلنت الحرب علينا.
هنا سوف تتدخل الدول الخمس تدخلا مباشرا؛ ما يجعل الجيوش تشارك وقد فرض عليها القتال.
وفي هذا الحالة ستكون احتمالات تدخل إيران وتركيا شبه مؤكدة، ولن تقف روسيا والصين مكتوفتي الأيدي -لن تتدخلا تدخلا مباشرا- بل ستمدان يد العون العسكري واللوجستي؛ لأنه فرصة لها أن تكسر الاحتكار الأمريكي؛ بل ليس من المستبعد هجوم الصين على تايوان، وزيادة الهجوم الروسي على أوكرانيا، والقضاء على الحكم فيها.
كل ما تخشاه “إسرائيل” وحلفها الصليبي ثورة الشعوب الإسلامية وأن تكسر القيود التي طوقت بها.