من كان يظن أن لن ينصر الله غزة وأهلها فقد أساء الظن بربه، وأخطأ القصد لنفسه، وكان وبالاً على إخوانه.
إن الأمة الإسلامية اليوم إذ تقف من حرب غزة موقف الجسد الواحد الذي يحارب أحد أعضائه سرطاناً خبيثاً يوشك أن ينتهي بالشفاء ليفرح المؤمنون بفرج الله وكرمه ومنته ونصره لأوليائه.
إن موقف الأمة الحية التي لا تموت، الرابضة على ثغر الألفة، ممسكة بعنان فرس المعركة الجموح، كلما سمعت هيعة للحرب هبت لها، فكانت في ظهر المقاومة للتثبيت، ومن أمامهم لتلقي الضربات، وعن أيمانهم لردع العدو الماكر، وعن شمائلهم لصد القريب الغادر، ثم تحمل الأمة مقاومتها شعاراً ودثاراً فوق الرؤوس وفي القلوب اطمئناناً يليق بالشهادة، وشهادة توجب الاطمئنان، فكأنما كل فرد في هذه الأمة المحمدية أمة وحده، يغزل المجد بيقين قلبه في نصر ربه، فلا نامت أعين الجبناء.
تجلى دور الأمة وواجبها منذ اليوم الأول الذي دقت فيه هذه الحرب رحاها عندما فرح المسلمون حول العالم بكسر المعتدين الصهاينة وإذلالهم في السابع من أكتوبر، فكأن هذا المسلم المقيم في أقصى أصقاع الأرض هو الذي أسر هؤلاء الجنود، فمشى فوق الجليد معتزاً فخوراً بما حققه إخوانه في غزة من إنجاز، لحمة مفضية إلى قوة، وقوة مفضية إلى سيادة، وسيادة مفضية إلى علو.. هكذا تكون كلمة الله التي توحدنا هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ومن هنا يأتي النصر الكبير في الحروب الطويلة والنزاعات الفاصلة.
إن معركة الدعم التي خاضتها الأمة لمقاومتها لا تقل عن معركة الأرض التي خاضتها المقاومة عن الأمة.
قاطعت الأمة منتجات الصهاينة والشركات الداعمة لها فكبدتها خسائر مليارية يئن منها هؤلاء القتلة الاقتصاديون ويطرب نحيبهم الآذان.
واجهت الأمة سيل الاتهامات الذي يكال إلى الحركة المباركة بالتفنيد ورد الشبهات وتدليس اليهود الماكرين، فعرّفت العالم بما يجري من خناق قاتل غادر فاجر وحصار ماكر لشعب بريء مناضل مدافع عن أرضه وعرضه ضد التهجير والمحو والإبادة الجماعية؛ فكسبت الأمة أنصاراً خرجوا في قلب العواصم الأوروبية مطالبين بوقف العدوان ومحاسبة المتسبب فيه، بل دخل الكثيرون من هذا الباب في دين الله أفواجاً.
رسمت الأمة للمقاومة صورة من أمل علّقتها في قلوب المسلمين، ووساماً على صدورهم، وراية ترفع فتخيف الأعداء حتى قبل أن تبدأ المعركة.
كما أن معركة الدعم المادي والمعنوي التي قادتها الأمة لا تقل في أهمية ميدانها وضراوة سجالاتها عن معارك الكر والفر، فرأينا التبرع بكل ما يُملك، والجود بالمهج، والوحدة الشعورية الحقيقية، ولسان حال أحدهم يقول:
أجود بروح لا ترى عين جودها سوى بالنفس لو تقبلون نفوسا