«يجب على أي شخص كان يحضر الدورات التدريبية العادية ولم يكن يخطط لحضور صلاة الفجر في مساجده المعتادة أن يذهب للصلاة».. هذه الرسالة كانت شرارة عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية باقتدار في 7 أكتوبر الماضي، إذ وصلت إلى شباب فصائل المقاومة، ليجتمعوا في الصلاة ويأخذوا سلاحهم وينفذوا واحدة من أعظم ملاحم البطولة في التاريخ العسكري.
تسلط هذه الرسالة، التي نقلتها صحيفة «الجارديان» البريطانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة، الضوء على دور البرامج التربوية في عملية إعداد المجاهدين وتنفيذهم لعمليات المقاومة الفلسطينية، التي يمكن وصفها بأنها سر نجاح «طوفان الأقصى» الأول.
فالتربية والتعليم هما أهم الأدوات التي تستخدمها فصائل المقاومة الفلسطينية لتنشئة جيل من المجاهدين والمناضلين القادرين على مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» والدفاع عن الحقوق والمقدسات الفلسطينية، وتتضمن برامجها مجموعة من الأنشطة والمبادرات والمشاريع التي تهدف إلى تعزيز الوعي الديني أولاً، والوطني والثقافي والاجتماعي والنفسي ثانياً.
ولا تقتصر هذه البرامج على الشباب، بل تشمل حتى الأطفال وتنمية مهاراتهم وقدراتهم ومواهبهم، وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والنضال ضد الاحتلال، وهو ما يهتم به «قسم الأشبال» في فصائل المقاومة الفلسطينية، خاصة في حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
وتعتمد حركة «حماس» في برامجها التربوية على مبدأ الربط بين العقيدة والسياسة، والتوازن بين العلم والجهاد، والاهتمام بالجوانب الإنسانية والأخلاقية والقيمية إلى جانب التدريب البدني؛ بهدف تربية جيل من المجاهدين المؤمنين بالله ورسوله وكتابه، والمحبين لفلسطين وشعبها وقضيتها، والملتزمين بالميثاق والبرنامج السياسي للحركة، والمستعدين للتضحية والفداء في سبيل الحرية والكرامة والعدالة.
حركة تربوية
من أهم برامج الحركة التربوية، بحسب بياناتها الرسمية ومصادر «الجارديان»، برنامج الكشافة والمرشدات، الذي يعد من أقدم وأوسع برامج «حماس» التربوية، إذ بدأ في عام 1992م، ويستهدف الأطفال والشباب من سن 7 إلى 18 عاماً.
ويهدف هذا البرنامج إلى تنمية الجوانب البدنية والعقلية والروحية والاجتماعية للمشاركين، وتعليمهم المهارات الحياتية والقيادية والعسكرية، وترسيخ قيم الولاء والانتماء والتعاون والتضامن والتحدي والإبداع.
ويشمل البرنامج مجموعة من الأنشطة والفعاليات، مثل الرحلات والمخيمات والمسابقات والورشات والدورات والمحاضرات والندوات والمهرجانات والعروض والاحتفالات والمشاركة في المناسبات الوطنية والدينية والإنسانية.
ومن أبرز الرموز الذين تربوا على هذا البرنامج الشهيد أحمد الجعبري، القائد العسكري السابق لـ«كتائب القسام»، الذي كان مؤسساً ومشرفاً على الكشافة والمرشدات في «حماس»، واغتيل على يد الاحتلال «الإسرائيلي» في عام 2012م.
كما تضم منظومة التربية لدى الحركة «برنامج الطلائع»، وهو من أهم وأحدث برامج حركة «حماس» التربوية، إذ بدأ في عام 2013م، ويستهدف الشباب من سن 18 إلى 25 عاماً، ويضم حوالي 50 ألف عضو وعضوة في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويهدف هذا البرنامج إلى تأهيل الشباب للقيادة والمسؤولية والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والجهادية، وتوعيتهم بالقضايا الوطنية والإسلامية والعربية والدولية، وتحفيزهم على الابتكار والتميز والتطوير.
ويشمل هذا البرنامج مجموعة من الأنشطة والفعاليات، مثل الدورات والورشات والمحاضرات والندوات والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات والحملات والمبادرات والمشاريع والمشاركة في الانتخابات والمظاهرات والمواجهات.
ومن أبرز الرموز الذين تربوا على هذا البرنامج محمد الضيف، القائد العسكري الحالي لـ«كتائب القسام»، الذي كان مؤسساً ومشرفاً على الطلائع في حركة «حماس»، وقد نجا من عدة محاولات اغتيال من قبل الاحتلال.
برنامج الأنصار
أما البرنامج الذي يستهدف الفئة العمرية بين 25 و40 عاماً، في «حماس» فهو «برنامج الأنصار»، الذي بدأ في عام 2014م، ويضم حوالي 20 ألف عضو في قطاع غزة والضفة الغربية، ويهدف إلى التدريب والتأهيل للعمل السياسي والاجتماعي والإعلامي والجهادي، وتمكين المنتسبين له من القيام بدورهم في خدمة الحركة والشعب والقضية الفلسطينية، وتوسيع قاعدة التأييد والتأثير للحركة في المجتمع الفلسطيني، وتعزيز العلاقات مع الفصائل والمؤسسات والشخصيات الوطنية والإسلامية والدولية.
ويشمل هذا البرنامج مجموعة من الأنشطة والفعاليات، مثل اللقاءات والحوارات والزيارات والمهام والمسؤوليات والمشاركة في الأحداث والقضايا المهمة.
ويعد «برنامج تعلم وحفظ القرآن الكريم» قاسماً مشتركاً بين كل برامج التربية الأخرى في «حماس»، وهو من أهم وأقدم برامج الحركة، إذ بدأ في عام 1988م، ويستهدف جميع الفئات العمرية والاجتماعية، ويضم حوالي 200 ألف مشارك ومشاركة في قطاع غزة والضفة الغربية.
ويهدف هذا البرنامج إلى تعليم القرآن الكريم وتفسيره وحفظه وتجويده وتطبيقه، وتربية الناس على العقيدة الإسلامية الصحيحة والمنهج النبوي الشريف، وتنمية الجوانب الروحية والأخلاقية والقيمية للمشاركين، وتحقيق الوحدة والتآخي والتعاون بين المسلمين.
كما يشمل البرنامج مجموعة من الأنشطة والفعاليات، مثل الحلقات والدورات والمسابقات والمؤتمرات والمهرجانات والاحتفالات والمشاركة في الأعمال الخيرية والدعوية، ومن أبرز رموزه الشيخ الشهيد أحمد ياسين، مؤسس «حماس» وزعيمها الروحي، الذي كان من أبرز القراء والمفسرين والمعلمين للقرآن الكريم في فلسطين، واغتيل على يد الاحتلال «الإسرائيلي» في عام 2004م.
وللحركة برامج أخرى في عملية التربية والتعليم، تستهدف الأسرى وأهالي الشهداء والجرحى والأيتام، وبرنامج النساء والفتيات، إضافة إلى برنامج خاص بالطلبة والخريجين، وآخر للعلماء والدعاة، وثالث للفن والإبداع، ورابع للرياضة والتربية البدنية، وغيرها من البرامج المتخصصة، التي تسعى إلى تحقيق رؤية «حماس» في بناء جيل من المجاهدين المؤمنين بالله ورسوله وكتابه، والمحبين لفلسطين وشعبها وقضيتها، وهو ما توازيه برامج أخرى مشابهة لدى حركة «الجهاد الإسلامي».
لقد قدمت عملية «طوفان الأقصى» برهاناً عملياً على أن التربية لدى حركات المقاومة، ليس فقط في صقل جوانب الانضباط والفداء والتضحية لدى منتسبيها، بل في تمتين الحاضنة الشعبية للمقاومة في الأرض المقدسة؛ وهو ما أذهل العالم على مدى عدة أسابيع يتعرض فيها المدنيون لقتل ممنهج، فلا نجد فيهم من يسخط أو يشتم المقاومة، بل يبدون كل الدعم لمجاهديهم وكل الرضا بقضاء الله تعالى.
ومن رحم هذه الأهوال وردود الفعل الإيمانية تلك، أبدى مئات المؤثرين حول العالم اهتمامهم بمعرفة الإسلام وقراءة القرآن الكريم، لمعرفة ماهية تلك الثقافة وهذا الإيمان الذي يجعل من هؤلاء البشر بكل هذا القدر من الثبات والصمود، فسبحان الذي يجعل المنح في رحم المحن!