لمدة تزيد على أسبوعين كاملين، تناقلت وسائل الإعلام العبرية أخباراً بشأن إتمام صفقة لتبادل الأسرى مع حركة «حماس»، إلا أنه فجر الأربعاء 22 نوفمبر 2023م، تم الإعلان عن التوصل لاتفاق هدنة إنسانية ووقف إطلاق نار مؤقت لمدة 4 أيام بين الحركة والكيان الصهيوني.
ووصفت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» اتفاق الهدنة بـ«الناجح» لفصائل المقاومة الفلسطينية أمام «إسرائيل»، مشيرة إلى أنه بمثابة فشل إستراتيجي للعقيدة العسكرية «الإسرائيلية»، و«ركوع» أمام حركة أو منظمة فلسطينية صغيرة، في العدة والعتاد، ممثلة في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس».
بعد 46 يوماً كاملة، تغلبت حركات المقاومة الفلسطينية على الكيان في كسر حالة الحرب الصهيونية المستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي، خاصة بعدما أجبرت تلك الحركات الكيان الصهيوني على الدخول في هدنة إنسانية، وإملاء شروطها على «تل أبيب»، فيما يتعلق بعدد أيام الهدنة نفسها، التي تتراوح بين 4 – 5 أيام، وعدد الأسرى وأسمائهم، إذ يشمل الاتفاق وقفاً لإطلاق النار من الطرفين، فضلاً عن وقف كل الأعمال العسكرية للجيش الصهيوني في القطاع، ناهيك عن تعطيل آلياته العسكرية في غزة أيضاً.
الإعلام العبري: الهدنة فشل إستراتيجي للعقيدة العسكرية «الإسرائيلية» وركوع أمام «حماس»
ورغم تباين أعداد وأسماء الأسرى الصهاينة لدى الفصائل الفلسطينية في وسائل الإعلام العبرية، قبيل الإعلان عن تلك الهدنة، فإن معادلة 3 أسرى فلسطينيين أمام أسير صهيوني واحد، حيث سجَّل هذا الاتفاق حلقة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، إذ يعد الأول من نوعه، من حيث الاتفاق على هدنة إنسانية وتبادل أسرى أثناء دوران رحى الحرب نفسها، ولم تشهد «تل أبيب» في تاريخها منذ نشأتها، في العام 1948م، أن تبادلت أسرى خلال الحرب، وليس بعد الانتهاء منها.
ووافقت حكومة «بنيامين نتنياهو» على إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً (نساء وأطفال) مقابل 50 أسيراً صهيونياً (نساء مدنيات وأطفال)، في تصويت غير مسبوق، إذ شهدت جلسة الحكومة، في 21 نوفمبر، مشاحنات حامية الوطيس، حيث رفض «بتسلإيل سموتريش»، وزير المالية رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، ومعه «إيتمار بن غفير»، وزير الأمن القومي رئيس حزب «عوتسما يهوديت/ قوة يهودية»، الاتفاق بقوة، في وقت هدد بعض أعضاء حزب «سموتريش» بتقديم استقالتهم حال الموافقة على الاتفاق، إلا أن رغبة «نتنياهو» في تحقيق نصر «زائف»، وبناء على رغبة شخصية وسياسية خاصة به، على حساب الصهاينة جميعاً، باستثناء حزب «الليكود» الحاكم الذي يؤازره في أغلب قراراته، حتى لا يطولهم التحقيق المفترض إجراؤه فور الانتهاء من الحرب.
حدث إستراتيجي
الهدنة الإنسانية التي تم الإعلان عنها، في 22 نوفمبر، وصفتها القناة الـ«12» العبرية بأنها حدث إستراتيجي لـ«حماس»، فيما اعتبرها «بن غفير» خطوة خطيرة ستؤثر على الأمن القومي لـ«إسرائيل»، وهو ما انضم إليه «سموتريش» من أن تلك الصفقة سيئة لـ«إسرائيل» والجيش، مضيفاً أن الحركة الفلسطينية حصلت على ما تريد من نجاحات، تتعلق بتحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون «الإسرائيلية»، وتعاطف المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية، وتوجيه الأنظار نحو فلسطين بعد حالة موات استمرت عقوداً، ناهيك عن إظهار وجه «إسرائيل» القبيح أمام العالم، واعتبارها دولة محتلة تمارس الإرهاب والقمع بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، بعدما صدَّر هذا الكيان لسنوات عدة فكرة المظلومية و«معاداة السامية».
«بن غفير»: الهدنة خطوة خطيرة ستؤثر على الأمن القومي لـ«إسرائيل»
الغريب أن «نتنياهو» اعتقد خلال اقتحامه لـ«مجمع الشفاء الطبي» بغزة بأنه سيجد الأسرى «الإسرائيليين» في أنفاقٍ أسفله، وأنه سيجد قيادات «حماس»؛ السياسية والعسكرية أيضاً، يرفعون الراية البيضاء أمام آلياته العسكرية! ولكنه لم يجد شيئاً سوى خيبة الأمل، ووقع في خديعة مجمع الشفاء، ما حدا به إلى الخضوع لإملاءات وشروط «حماس» والفصائل الفلسطينية، والخنوع للتوقيع على الاتفاق التاريخي.
والثابت أن بعض أعضاء حزب «الليكود» قد اعتبروا أن مثل هذا الاتفاق يعد «ركوعاً» أمام «حماس»، ولكنهم، في نهاية المطاف وافقوا على الهدنة الإنسانية، ليسطر التاريخ ملحمة جديدة للمقاومة الفلسطينية أمام الآلة العسكرية الصهيونية.
ولم تكتف المقاومة بذلك، بل شددت، في بيان، على أن أصابعها على الزناد، والاستمرار في مقاومة المحتل الصهيوني، حتى الانتهاء من الحرب الدائرة على غزة.
فاتورة الحرب على غزة
وإذا اعتبرنا أن الاتفاق مع «حماس» بشأن الهدنة الإنسانية خسارة سياسية وعسكرية لـ«إسرائيل»، فإن هناك خسائر اقتصادية تتكبدها «تل أبيب»، بمرور الوقت، حيث أشارت صحيفة «ذا ماركر» الاقتصادية العبرية إلى خسارة الكيان الصهيوني حوالي 9 مليارات شيكل (ما يعادل 2.4 مليار دولار شهرياً)، في حربه على غزة، فيما انكمش الاقتصاد بنسبة 11% على أساس سنوي، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري.
«سموتريش»: تكلفة الحرب اليومية على غزة تزيد على 246 مليون دولار
ولم يفت «سموتريش» (وزير المالية) أن يؤكد مراراً أن تكلفة الحرب اليومية على القطاع تزيد على 246 مليون دولار، رغم اتفاقه المسبق مع «نتنياهو» على إعادة ميزانية جديدة للعام 2024م، وتمرير ميزانية عسكرية جديدة، بناء على مجريات الحرب في غزة، مقارنة بأرقام متضاربة مع صحف عبرية أخرى، قدَّرت تكلفة الحرب بما يزيد على 20 مليار دولار، مع نهاية العام الجاري.
على أن تتضاعف تلك الميزانية في ظل مغادرة العمالة الأجنبية الكيان، رغم أن هناك أنباء تواترت عن اتفاق صهيوني مع الحكومة الهندية يقضي بجلب حوالي 50 ألف عامل في مجال البناء والتشييد إلى البلاد، في حالة من التضارب؛ عوضاً عن العمالة الفلسطينية التي سيتم الاستغناء عنها، على خلفية إطلاق عملية «طوفان الأقصى».
ويجب الأخذ في الاعتبار أن خسائر الحرب الاقتصادية على الكيان ترتفع وتتفاقم كلما زادت أيام الحرب؛ في وقت قدَّرت بعض وسائل الإعلام العبرية أن فاتورة تلك الحرب، التي لا تزال مستعرة، ستصل إلى 150 مليار شيكل (حوالي 40 مليار دولار)، وهو رقم قابل للزيادة، خاصة إذا أضفنا أن هناك تعويضات للمستوطنين الذين تم نقلهم إلى «مدينة الخيام» والفنادق، وتشكيل لجان حكومية خاصة لإعادة مستوطنات غلاف غزة، وكذلك تعويضات للعمالة المتوقفة عن العمل، والمقدرة بعشرات الآلاف، والمصانع المغلقة، فضلاً عن مرتبات جنود الاحتياط أنفسهم المشاركين في الحرب، وعددهم 360 ألف جندي.