اختلفت أوضاع العلماء من مكان لآخر، ومن زمن لآخر، فمنهم من بادر، وغامر، ونصح، ومنهم من آثر السلامة خشية الفتنة والظلم والجور على العباد، ومنهم من هادن وجامل، ومنهم من دارى واختفى، كل يرى المصلحة في اتجاه، فتفرق العلماء، وتفرقت الأمة.
ومما اطلعت عليه، هذه التجربة الفريدة لثلة من علماء الأزهر بمصر، رفعوا خطاباً إلى السلطان عبدالحميد الثاني، يناشدونه تطبيق الشريعة، وتعظيم حرمات الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذلك في 29 رمضان 1296هـ، وقبل سقوط الخلافة بـ30 سنة.
قالوا فيها (باختصار):
إنا نرى ما ابتُلي به الدين المحمدي، وعُرى المُلك الإسلامي من الضعف، وكثرة التضجر، وإظهار التحسر، وكساد الأسواق، وقلة البركة في الأرزاق وغيرها، واشتداد الأمر، وازدياد القهر، وكثرة العناد والتعب، والشدائد والكرب، إنما هو لتهاون الناس بأوامر الله ونواهيه، فأحلوا معاصيه بالعكوف عليها، والتجاهر بها، وأخلوا أمر الشرع بالتهاون بها، وجعلها نسياً منسياً، واتباع عادات الإفرنج والكفرة، والافتخار بتحصيلها، وترك السُّنة المحمدية، حتى فشت المنكرات والمعاصي في الأقطار، وصارت ديدن الأعيان والعوام، والصغار والكبار، ولا يوجد مُنكِرٌ ولا زاجر، وما فشت المعصية في قوم إلا حل بهم الوبال، وشدد عليهم النكال، وأُخذوا بقهر السلاسل والأغلال، ورُموا بسوء الحال.
وقد جاء في الأثر: «إذا خفيت المعاصي لم تضر إلا أصحابها، وإذا ظهرت ضرت العامة»، وفي الحديث: «لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم».
وما اضمحل الدين والدولة، وفسدت الدنيا والآخرة، إلا بالتهاون في أمر الشريعة المحمدية، وعدم المحافظة على حقوقها، وقد قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)، وقال: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، وقال: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)؛ أي إن تنصروه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقتال أعدائه، ينصركم عليهم ويثبت أقدامكم في قتالهم، وإلا يخذلكم وينعكس الأمر، ويزلزل أقدامكم.
وقد ظهرت المعاصي ظهور الشمس في رابعة النهار، وفي جميع البلدان والأقطار، من المنكرات وأنواع الكبائر والمحرمات، التي تكون سبباً لعموم البلاء، وكسر شوكة المسلمين وغزوتهم وقهرهم وخراب بلادهم، وتسليط العدو، وتشتيت القلوب، وعدم طاعة العامة إلى الأكابر، والرعية إلى الأمير، ووقوع الاختلاف والفتنة فيما بينهم، وقلة المطر والنبات، والقحط والغلاء، وكثرة الموت والوباء، وعدم قبول الدعوات، على ما سنسرده فنقول:
ورفعوا له 53 سبباً لضعف المسلمين، سنذكرها في المقال القادم.
__________________
المصدر: جريدة «الوطن».