في الرد على الزلزال الذي أصابه بفعل «طوفان الأقصى»، لم يتورع الاحتلال الصهيوني في عدوانه على غزة عن استخدام كل وسائل التدمير والإبادة؛ من أسلحة ذات طاقة تدميرية هائلة، إلى أسلحة محرمة دوليًّا، إلى تدمير البنية التحتية، واستهداف كل مظاهر الحياة وعوامل الصمود، إلى غير ذلك من جرائم يرصد هذا المقال بعضًا من مظاهرها الأساسية.
1- استخدام أسلحة ذات طاقة تدميرية كبيرة:
لم يكن هدف الاحتلال في عدوانه مجرد القتل، وإنما القتل بطريقة موغلة في الإجرام؛ بحيث يوقع العديد من الشهداء والمصابين في ضربة واحدة، بتأثير ما يستخدمه من أسلحة ذات طاقة تدمير كبيرة جدًّا، لا تتناسب مع حرب المدن، لا سيما مدينة في طبيعة غزة ذات الكثافة العالية سكانيًّا، ولعل هذا يؤشر من ناحية أخرى إلى أن القتل هنا ذو أسباب متعددة، تشمل مع الانتقامِ التهجيرَ والإبادةَ أيضًا.
وكمثال، استخدمت «إسرائيل» قنبلتين، تتجاوز كل واحدة منهما 900 كجم على الأقل، خلال غارة جوية يوم الثلاثاء (31 أكتوبر) على جباليا، شمالي مدينة غزة، وفقًا لخبراء وتحليل أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» لصور الأقمار الاصطناعية وصور أخرى ومقاطع فيديو («الشرق»، 4 نوفمبر 2023م).
وأشارت الصحيفة إلى أنه يمكن استخدام تلك القنابل لاستهداف البنية التحتية تحت الأرض، لكن نشرها في منطقة مكتظة بالسكان مثل جباليا أثار تساؤلات بشأن التناسب؛ أي ما إذا كانت الأهداف «الإسرائيلية» المقصودة تبرر عدد الضحايا المدنيين والدمار الذي تسببه ضرباتها.
ولاحقًا، قال تحقيق لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية: إن الغارة الجوية «الإسرائيلية» على مخيم جباليا في قطاع غزة قتلت أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكنها أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 126 شخصًا أيضًا («الجزيرة»، 28 ديسمبر 2023م).
2- استخدام أسلحة محرمة دوليًّا:
ليس غريبًا على الاحتلال الصهيوني استخدام أسلحة محرمة دوليًّا، في العدوان على الشعب الفلسطيني؛ فهذا الكيان الغاصب ليس أمامه أي رادع من قانون دولي ولا من منظمات حقوقيه؛ فهو يستخدم الأسلحة المحرمة دوليًّا إيغالاً في الانتقام وإيقاع أكبر عدد من الضحايا.
وقد كشف الإعلام الحكومي في غزة عن حجم المتفجرات التي ألقاها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» ضمن حربه العدوانية على القطاع، وحتى مطلع عام 2024م، موضحًا أن أكثر من 65 ألف طن من المتفجرات تم إلقاؤها على منازل المدنيين، وهو ما يقارب 3 قنابل نووية كالتي تم إلقاؤها على مدينة هيروشيما اليابانية، مؤكدًا استخدام الاحتلال لأسلحة محرمة دوليًّا في قصفه العنيف والجنوني على غزة («اليوم السابع»، 2 يناير 2024م).
وأوضح مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، أن أبرز الأسلحة المحرمة دوليًّا التي يستخدمها الاحتلال: القنابل الخارقة للحصون من نوع «BLU-113»، القنابل الخارقة للحصون من نوع BLU-109»، القنابل الخارقة للحصون من نوع «SDBS»، القنابل الأمريكية من نوع «GBU-28»، صواريخ من نوع «هالبر»، القنابل الموجهة بنظام «GPS» بهدف تدمير البنية التحتية، قنابل الفوسفور الأبيض المحرم دوليًّا، القنابل الغبية أو غير الموجهة، قنابل «جدام» (JDAM) الذكية.
3- تدمير البنية الأساسية والوسائل البديلة:
لتحقيق رغبته في الانتقام من المقاومة ومن حاضنتها الشعبية، عمد الاحتلال في عدوانه على غزة، إلى استهداف البنية التحتية وتدمير المنشآت الطبية والتعليمية والتجارية والمصانع وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وغير ذلك، حتى الوسائل البديلة، مثل ألواح الطاقة الشمسة على أسطح المنازل، لم تسلم من العدوان وبشكل قصدي!
وصرح، إسماعيل الثوابتة أن التقديرات الحكومية الأولية للخسائر المباشرة للحرب على قطاع غزة تبلغ نحو 12 مليار دولار، مشيرًا إلى أن هذه التقديرات لا تشمل الخسائر غير المباشرة التي تسبب فيها العدوان على القطاع، وأنه من المتوقع أن ترتفع النسبة بشكل أكثر حدة خلال الفترة المقبلة مع انتهاء الحرب. («العربي الجديد»، 2 يناير 2024م).
4- سياسة التجويع بمنع الغذاء:
وهذا مظهر آخر من مظاهر العدوان، ولا يقل فتكًا عن القتل المباشر، بل ربما تعدى في أثره النفسي والإنساني؛ ولهذا تخطئ وسائل إعلام تصف ما يجرب في غزة بالمجاعة، والأدق أنه تجويع!
وفي بيان لها، منشور على موقعها الإلكتروني، أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، (الإثنين 18 ديسمبر 2023م)، أن الحكومة «الإسرائيلية» تستخدم التجويع أسلوبًا للحرب في قطاع غزة، ما يشكّل «جريمة حرب»، مؤكدة أن الجيش «الإسرائيلي» يتعمّد منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.
وقال مدير شؤون «إسرائيل» وفلسطين في «هيومن رايتس ووتش» عمر شاكر: لأكثر من شهرين، تحرم «إسرائيل» سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون «إسرائيليون» كبار أو أيّدوها، وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.
5- سياسة القتل البطيء بمنع الدواء واستهداف الأطباء:
بالإضافة إلى منع الغذاء، يأتي منع الدواء ليشكل سلوكًا إجراميًّا للعدوان الهمجي على غزة، الذي يمارسه الاحتلال بهدف القتل والانتقام، بجانب استهداف الأطباء وأطقم التمريض، سواء بالاعتداء عليهم في أثناء عملهم، بالقصف المباشر، أو في تعقبهم داخل منازلهم بمجرد وصولهم إليها، ومن ذلك ما حدث للدكتور عمر صالح فروانة، أبرز أطباء العقم وأطفال الأنابيب في غزة، الذي استشهد، مع 16 من أفراد أسرته، بمنزله بحي تل الهواء (منتصف ليل يوم 15 أكتوبر 2023م)، بعد عودته من عمله بمجمع الشفاء الطبي؛ إثر قصف من طائرة حربية «إسرائيلية».
واتهم نادر، شقيق الطبيب فروانة، «إسرائيل» بتعمد قتل شقيقه؛ وقال: لقد انتظروا حتى وصل منزله، ثم قتلوا الجميع، لقد سووا المنزل بالأرض، ثم قصفوا بعد ذلك منازل أخرى لأطباء، إنه استهداف متعمد. («الشرق الأوسط»، 20 أكتوبر 2023م).
وقال الطبيب والجرّاح الفلسطيني غسان أبو ستة، الأستاذ المشارك في علم الجراحة: إن استهداف القطاع الصحّي يأتي جزءًا من سياسة خلق الكارثة بتفكيك كل مفاصل الحياة، من منظومات الصرف الصحي ومحطات تحلية المياه وخلايا الطاقة الشمسية والمخابز، ومن ثمّ استهداف سيارات الإسعاف والطواقم الطبية عمدًا، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 280 طبيبًا ومسعفًا وممرضًا، سواء خلال تأديتهم الخدمة أو عند عودتهم إلى منازلهم، وهو أمر يرتبط بالمساعي «الإسرائيلية» لخلق كارثة تجعل آلة التطهير العرقي مستمرةً حتى بعد انتهاء الحرب. (من محاضرته بالمركز العربي للأبحاث، بالدوحة، 5 ديسمبر 2023م).
6- سياسة تفريغ الأرض بالتهجير:
وهذا أمر معلن، وصرح به أكثر من مرة قادة الكيان، الذين ظنوا، بعد السابع من أكتوبر، أن الفرصة قد سنحت لإمضاء هذا المخطط الذي أعدوه وجهروا به في أكثر من مناسبة، حتى لم يعد الأمر مقصورًا على غزة، وإنما يشمل الضفة الغربية أيضًا.
وقد وصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، تهجير «إسرائيل» القسري للفلسطينيين بـ«جريمة ضد الإنسانية»، وأوضحت في منشور على منصة «إكس» (الثلاثاء 2 يناير 2024م)، أن التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية، وأن «إسرائيل» قد دأبت على ارتكاب ذلك، دون عقاب، خلال عقود من الاحتلال غير القانوني، موضحةً أن «إسرائيل» نقلت خطة التهجير القسري هذه إلى مستوى جديد من خلال ترويع السكان وتجويعهم وقصفهم.
وفي وقت سابق، اعتبرت ألبانيز أن ما يهدف إليه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو والنواب «الإسرائيليون»، تحت مسمى «التهجير الطوعي» لسكان غزة، ما هو إلا تهجير قسري وجريمة تستوجب المحاكمة بموجب نظام روما (الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) («شبكة التلفزيون العربي»، 26 ديسمبر 2023م).
7- سياسة كتم الصوت والتغطية على الجرائم باستهداف الصحفيين:
منذ بداية العدوان وحتى مطلع العام الجديد، ارتفع عدد الشهداء من الصحفيين إلى 106، وكان أحدث ضحايا القصف مراسل قناة «القدس اليوم» جبر أبو هدروس مع عدد من أفراد عائلته، عندما دمر صاروخ منزلهم في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، (مساء الجمعة، 29 ديسمبر 2023م).
هذه مجرد إشارات موجزة لأهم المظاهر الأساسية لجرائم الاحتلال الصهيوني؛ التي يمارسها في عدوانه على غزة، بوحشية، وإن جاءت مفرطة فإنها غير بعيدة عن تاريخه في الإجرام والإبادة!