نصرة المسلم لأخيه المسلم فريضة شرعية وضرورة بشرية؛ أما من حيث إنها فريضة شرعية، فهذا ما ثبت بالقرآن والسُّنة، وإجماع العلماء، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: 72).
قال العلامة السعدي: هذا عقد موالاة ومحبة، عقدها الله بين المهاجرين والأنصار، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض؛ لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض؛ (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) فإنهم قطعوا ولايتكم بانفصالهم عنكم في وقت شدة الحاجة إلى الرجال، فلما لم يهاجروا لم يكن لهم من ولاية المؤمنين شيء، لكنهم (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ)؛ أي: لأجل قتال من قاتلهم لأجل دينهم (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) والقتال معهم(1).
نصرة المسلم لأخيه المسلم فريضة شرعية وضرورة بشرية
وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71)؛ قال ابن كثير: لما ذكر الله تعالى صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة، فقال: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)؛ أي: يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه»(2).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى»(3)، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين من خذلان بعضهم بعضاً، فقال: «ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته»(4).
وقد ذهب العلماء في مجموعهم إلى وجوب نُصرة أهل غزة حيث قال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الجهاد والإمداد في فلسطين واجب شرعي ومسؤولية إسلامية وإنسانية، ويحرم شرعاً السكوت عن العدوان وعدم صده ورده بتحرك الأنظمة الحاكمة والجيوش الرسمية الأقرب فالأقرب، والأولى فالأولى، وأن ترك غزة و«الأقصى» والقدس وفلسطين للإبادة والتدمير خيانة لله ورسوله والمؤمنين، ومن أكبر الكبائر وأعظم الذنوب عند الله تعالى.
أجمع علماء الأمة إلى وجوب نُصرة أهل غزة وفلسطين عامة
أما من حيث إن نصرة غزة ضرورة بشرية، فمعلوم أننا جميعاً في سفينة واحدة، فعندما يتجبر الظالم ويعربد في الأرض، ولا يجد من يوقفه عند حده ويمنعه من ظلمه فإنه لن يكتفي بغزة؛ ولكنه بمجرد انتهائه من غزة سينتقل منها إلى غيرها، ومن ثم وجب علينا أن نقف ضد هذا الإجرام حفاظاً على البشرية.
وانطلاقاً مما تقدم من بيان، ندعو المسلمين في أنحاء المعمورة إلى التفاعل الإيجابي مع الرسالة التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بغزة التي جاء فيها:
رسالتنا إلى معالي وزراء الأوقاف في الدول العربية والإسلامية، وإلى مشايخنا من الأئمة والدعاة في الوطن العربي والإسلامي الكبير؛ نصرة للمسلمين في غزة الجريحة: يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2).
ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرءاً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ».
التفاعل الإيجابي مع رسالة الأوقاف والشؤون الإسلامية بغزة
أيها المسلمون في بقاع الأرض..
إن إخوانكم في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة يتعرضون منذ أكثر من تسعين يوماً على يد يهود، بل منذ احتلال فلسطين ووقوعها أسيرة في أيدي الصهاينة، إلى أبشع صنوف القتل والتعذيب والتشريد (ما يقارب 90 ألف شهيد ومفقود وجريح)، وتدمير المؤسسات الحكومية والمقار التعليمية (ما يزيد على 500 مؤسسة ومدرسة وجامعة)، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها في الليل والنهار (355 ألف وحدة سكنية كلياً وجزئياً)، وحرق الأخضر واليابس، وتدمير المساجد التي يذكر فيها اسمه (ما يقارب 500 مسجد كلياً وجزئياً)، وطمس كل مَعْلم إسلامي حضاري وأثري، ومنع الماء والدواء والغذاء وتجويع الناس، وتهجيرهم من مساكنهم في العراء بلا طعام أو مأوى في ظل البرد الشديد؛ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
وإننا في وزارة الأوقاف من قلب غزة، نهيب بكم يا علماء الأمة وأئمتها ودعاتها وخطباءها وكتَّابها من جميع أقطار العالم، أن تُسخِروا محابركم وأقلامكم وأصواتكم ومنابركم دفاعاً عن فلسطين، ونصرة للمسلمين في القدس والضفة وغزة.
الجهاد بالبنان لا يقل عنه بالسنان في ظل انتهاك الصهاينة
أيها العلماء والدعاة..
وإن حالت بيننا الحدود؛ فإن الجهاد بالبنان لا يقل عن الجهاد بالسنان، في ظل انتهاك العدو الصهيوني لكافة الشرائع السماوية والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، وتدنيس للمقدسات، وهتك للأعراض، وقد جرت دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا في الطرقات، وتناثرت الأشلاء في كل مكان، تلعن كل متخاذل ومتقاعس عن نصرة المستضعفين المسلمين في غزة.
يا أهلنا وربعنا..
كلنا مستهدفون؛ وقد تكالبت علينا قوى الشر، لإضعاف شوكة الإسلام، وكسر ظهر المجاهدين الذين يدافعون عن شرف الأمة ويحفظون لها كرامتها، ويحمون مقدساتها، ويدافعون عن أرض فلسطين، ويذودون عن أعراضهم؛ فلا تتركونا وحدنا نؤكل كما أُكل الثور الأبيض، ونُقتَل كما قُتِلنا في 48، و52، و67، وفي كافة معارك الشرف والعزة.
الأمة مستهدفة وقد تكالبت قوى الشر لإضعاف شوكة الإسلام
أيها المسلمون الأُباه..
لا تسلمونا لأعدائنا، يقول صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
يا إخواننا..
لستم قلة، وقد منحكم الله مكامن القوة والغلبة من طاقات وموارد مادية وبشرية، فلا تفجعونا بافتقادكم من حولنا، ووقوفكم إلى جانبنا ونحن أصحاب حق وقضية مقدسة استأمنكم الله عليها.
__________________________
(1) تفسير السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص327.
(2) تفسير ابن كثير، ت السلامة (4/ 174).
(3) أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586).
(4) صحيح الجامع، الألباني (5690).