تخطئ بعض الأسر حينما تربي أبناءها على الدعة والترف وحب الراحة، أو تجنبهم مشاق العمل والجهد؛ خوفاً وشفقة عليهم؛ ما يرسخ فيهم الخمول والكسل، ويدفع بهم إلى طريق اللذة والشهوة، لا إلى طريق النجاح والإنجاز.
يزداد الأمر سوءاً حينما يسكت الأب والأم عن أخطاء أولادهما، بدعوى أنهم «صغار»، فيكبر الخطأ ويترعرع إلى أن يصبح خطيئة، وحينها يحصد كل امرئ ما غرست يداه، فلا يلومن إلا نفسه.
ومن المخجل أن نرى أمتنا تسير على هوى اتفاقات أممية، تنزع عن الشباب الهمة والعزيمة والرجولة، وتُغيب عنهم روح المقاومة والمثابرة، وتصنفهم باعتبارهم «أطفالاً» ما داموا دون سن الـ18 عاماً.
لقد تناسينا سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن في ذكرى الإسراء والمعراج، حينما جهز، في صفر 11هـ، جيشاً كبيراً كان يضم عمر بن الخطاب وغيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، وكان عمره حينها يقارب 18 عاماً، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم أرض الشام.
ويزخر تاريخ المسلمين بأبطال في أعمار تصنفها الأمم المتحدة ضمن مرحلة الطفولة، فإذا بهم أصبحوا قادة وملوكاً حكموا العالم، منهم السلطان محمد الفاتح، الذي حكم الدولة العثمانية وعمره 14 عاماً، وفي عمر 21 عاماً أعد جيشاً فتح به القسطنطينية.
وهناك هارون الرشيد أشهر خلفاء العباسيين في العصر الذهبي الإسلامي، وكان قائداً للجيش العباسي في سن 15 عاماً، وتولى الخلافة في العشرين من عمره، وأيضاً محمد بن قاسم الثقفي، الذي فتح بلاد السند (باكستان) في عمر 17 عاماً.
إن من التربية الإيجابية أن نغرس في نفوس أطفالنا حب العمل، وروح الجهاد، وجينات المقاومة، وبذور العزة، وأن نجعل الحرية تسري في دمائهم، والكرامة في عروقهم، فلا يقبلون ظلماً، ولا ينصاعون لباطل ولو علا شأنه.
بالتأكيد، لا يتأتى ذلك بالكلام أو الأماني فقط، بل عبر مسيرة طويلة عنوانها العطاء، والحنان، والنصح، والقدوة، والتربية على كتاب الله، وسُنة نبيه المختار، وسيرته العطرة، وقصص صحابته الكرام، رضوان الله عليهم.
سنربي طفلاً مقاوماً، حينما يعتاد على الصلاة في جماعة، وحينما يستيقظ من نومه لأداء صلاة الفجر، وقيام الليل، ويعتاد الصوم، والاعتكاف، والسفر والترحال، وفنون الكشافة، وغيرها من رياضات تقوي البدن، وتسمو بالنفس.
سنربي طفلاً مقاوماً حينما تتنزل على جبينه حبات عرق من تعب وجهد للحصول على الرزق الحلال، من خلال عمل ما في إجازته الصيفية، ولو من باب التدرب، فتعتاد نفسه الكفاح، ويقوى جسده، وتشتد قبضته، وتعلو همته.
سنربي هذا الطفل المنشود، حينما ننتشل أولادنا وبناتنا من مستنقع الفتن والشهوات، ومقاطع «تيك توك» و«يوتيوب»، وإدمان وسائل التواصل، وصرخات عالم الموضة، وهوس كرة القدم.
لقد آن الأوان أن ننجو بهم إلى بر الأمان، وإلى طريق الاستقامة، ونحن نشاهد ما يتعرض له أطفال غزة الأبية، فيخرج منهم من يطلب الشهادة، ومنهم من يقدم نفسه فداء للقدس، ومنهم من يتوعد العدو الصهيوني بالثأر لأقصاه.
لقد حث الإسلام على تعلم الرماية والسباحة وركوب الخيل وغيرها من رياضات تقوي البدن، وتغرس روح الفروسية والشجاعة في النفوس، فإذ بنا نتعلم كرة القدم والسلة والطائرة واليد والتنس والطاولة والبيسبول، وغيرها مما لا أحرمه شرعاً، فلست بصدد ذلك، بل أردت التنويه إلى أن أمتنا في حاجة إلى رياضات القوة والفروسية من منطلق قوله عز وجل: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60).
وفي صحيح مسلم عن أبي علي ثمامة بن شفي أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي».
وقد عُرف السابقون بمهارات الرمي والصيد، وكثير من أهل العلم ساروا على هذا الدرب، فالشافعي رحمه الله كان يقول عن نفسه: إنه يرمي عشرة، فيصيب تسعة، والإمام البخاري كان لا يخطئ له رمي.
كذلك يجب أن يكون أبناؤنا أقوياء البدن، سباحين، رياضيين، وقبل ذلك مصلين، صائمين، قائمين، منفقين، مجاهدين في سبيل الله، ساعتها سيكون لدينا أطفال قادة من طراز أسامة بن زيد.