مطلع فبراير 2024م، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن ولاية ميشيغان ومدينتها الأهم ديربورن التي كانت أحد أسباب فوزه في انتخابات عام 2020م، ولكنها تُعد الآن بؤرة الغضب ضده بسبب موقفه الداعم للإبادة الصهيونية في غزة، لكن فوجئ برفض أهالي المدينة، من المسلمين والعرب الذين يشكلون نصف سكانها، استقباله!
بعد رفض عمدة ووجهاء مدينة ديربورن مقابلة الرئيس بايدن خلال جولته الانتخابية الأخيرة؛ احتجاجاً على موقفه من العدوان على غزة، نشرت صحيفة «ووال ستريت جرنال» مقال رأي يصف المدينة بأنها «عاصمة الجهاد في أمريكا»، ويحرّض عليها.
المقال الذي نُشر في 2 فبراير بعنوان «مرحباً بكم في ديربورن.. عاصمة الجهاد في أمريكا» تسبب في حالة غضب شديد بين مسلمي أمريكا الذين يشكلون قرابة نصف سكان المدينة، واضطر عمدتها المسلم لإعلان حالة استنفار أمني، ونشر قوات كبيرة من الشرطة قرب مساجد المدينة، بعدما ادعى كاتب مقال الصحيفة ستالنسكي أن لديه مقاطع مصورة جمعها معهده أظهرت تنظيم خطب ومسيرات صادمة مناهضة للولايات المتحدة ومؤيدة للجهاد في المدينة!
رئيس بلدية ديربورن، عبدالله حمود، وصف مقال صحيفة «وول ستريت» الذي كتبه ستيفن ستالنسكي، المدير التنفيذي لمعهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، بأنه متهور ومتعصب ومعاد للإسلام.
وبخلاف رئيس بلدية المدينة، ندد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، ولجنة مكافحة التمييز الأمريكية العربية، بهذا المقال، باعتباره معادياً للعرب وعنصرياً؛ لأنه يشير إلى أن سكان المدينة، ومنهم الزعماء الدينيون والسياسيون، يدعمون حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي يعتبرونها «متطرفة».
ولأن المقال يمسه مباشرة ويزيد من تصميم سكان المدينة على إسقاطه بسبب دعمه العدوان على غزة، ندد الرئيس بايدن بـ«الخطاب المعادي للعرب»، دون أن يشير بوضوح إلى مقال الرأي الذي نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
الولاية التي ستسقطه
تعتبر ديربورن من المدن الأمريكية التي يعيش فيها غالبية من ذوي الأصول العربية والمسلمين، وتظهر أرقام التعداد أن نحو 54% من سكانها من الأمريكيين العرب.
ويواجه بايدن، الذي يسعى للفوز بفترة رئاسية ثانية، انتقادات واحتجاجات من ديربورن ومن الأصوات المناهضة للحرب في جميع أنحاء البلاد؛ بسبب دعم إدارته لـ«إسرائيل» في عملياتها في غزة، وأعلن سكانها أنهم سيسقطونه.
ويقول العديد من الأمريكيين العرب في ولاية ميشيغان المتأرجحة، الذين صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح بايدن في عام 2020م: إنهم سيقومون بالتصويت ضد بايدن؛ لذلك يرى محللون أن ديربورن ستكون قاطرة الهاوية لإسقاط بايدن.
فقد تعهد زعماء أمريكيون مسلمون من 6 ولايات متأرجحة، تعد حاسمة في انتخابات الرئاسة الأمريكية، أبرزها ديربورن بالحشد ضد إعادة انتخاب الرئيس بايدن بسبب دعمه العدوان على غزة، لكنهم لم يستقروا بعد على دعم مرشح بديل في انتخابات عام 2024م.
وأكدت وكالة «رويترز»، في 3 ديسمبر 2023م، أن هذه الولايات الست من بين الولايات القليلة التي أتاحت لبايدن الفوز في انتخابات عام 2020م؛، لذا سيعرقل ذلك طريق بايدن نحو الفوز بأصوات المجمع الانتخابي في عام 2024م ويسقطونه.
وأوضحت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية، في 2 ديسمبر 2023م، أن قادة المجتمع الإسلامي في الولايات الأمريكية المتأرجحة مثل ولاية ميتشغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا وجورجيا ونيفادا وبنسلفانيا أطلقوا حملة لعدم التصويت لبايدن في الانتخابات الرئاسية في عام 2024م، واستخدموا وسم «#AbandonBiden»؛ أي «أسقطوا بايدن».
وقد تحول هذا الوسم الذي يعني نصياً «تخلوا عن بايدن»، ليصبح في مقدمة التغريد الأمريكي بعد اجتماع قيادات مسلمة وقرارها إسقاط الرئيس المتورط في جرائم الحرب «الإسرائيلية» في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويقدر مركز «بيو» الأمريكي للأبحاث أن حوالي 59% من الناخبين العرب الأمريكيين أيدوا بايدن عام 2020م، لكنه يقول: إن استطلاعاته تشير إلى أن هذه النسبة انخفضت بشكل كبير بعد حرب غزة.
ديربورن مصدومة من مواقفه
ما يوحد السكان العرب الأمريكيين في ديربورن وديترويت حالياً الشعور بأن ممثليهم في الحكومة تخلوا عنهم حين دعموا قتل الفلسطينيين في غزة، حيث تعتبر قضية الحقوق الفلسطينية عامل توحيد كبيراً للأمريكيين العرب هناك، ويعتبرون لا مبالاة البيت الأبيض تجاه حياة الفلسطينيين ودعم بايدن المادي غير المشروط للعمليات العدوانية العسكرية «الإسرائيلية» في غزة تتصادم مع ما كان بايدن يعلنه عن حقوق الإنسان والحريات.
ويتحدث العديد من السكان المسلمين هناك عن لغة الخطاب الأمريكية والصهيونية التي تعتبر الحرب في غزة دينية وتستهدف قتل «العماليق»، في إشارة صهيونية للمسلمين، وارتباط ذلك باتهامهم بمعاداة السامية لمجرد أنهم يرفضون إبادة غزة.
وبدأت حملة «التخلي عن بايدن» عندما طالب الأمريكيون المسلمون في مينيسوتا بايدن بأن يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، ثم امتدت الحملة إلى ميشيغان وأريزونا وويسكونسن وبنسلفانيا وفلوريدا مع تزايد تورط بايدن في الحرب ودعمه «إسرائيل» بأقوى الأسلحة فتكاً بالفلسطينيين.
وقال موقع «أكسيوس»، في 3 ديسمبر 2023م: إن هؤلاء الزعماء المسلمين يشنون حملة «تخلوا عن بايدن» بسبب عدم رغبته في الدعوة إلى وقف إطلاق النار وحماية الأبرياء في فلسطين، وإن الحملة تلقى دعاً قوياً عبر مواقع التواصل وفي مؤتمرات يعقدها المسلمون والمعارضون للإبادة في غزة.
المسلمون أغلبية في حكومة ديربورن
وقد خرج عدد من المرشحين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية فائزين من صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية التي جرت في عدة مدن وولايات عام 2020م، منها ديربورن التي سيطر على حكومتها مرشحون مسلمون.
وبحسب صحف أمريكية، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، فقد فاز 11 مسلماً في انتخابات 6 ولايات، هي: ماساتشوستس، ميشيغان، مينيسوتا، نيويورك، نيوجيرسي، وبنسلفانيا.
فقد أصبح المجلس البلدي في مدينة هامترامك بولاية ميشيغان كله من المسلمين، وعددهم 6 أعضاء بمن فيهم رئيس (عمدة) المدينة؛ ما جعل موقع «BBC» الإنجليزي يقول: «مدينة أمريكية يحكمها مسلمون».
كما فاز 3 من العرب الأمريكيين المسلمين باكتساح في الانتخابات المحلية بضواحي ديترويت، وبرئاسة 3 بلديات منها ديربورن.
ففي ديربورن، فاز العربي المسلم بيل بزي بمنصب العمدة، وفاز عبدالله حمود لأول مرة بمنصب عمدة ديربورن.