كانت آخر وسيلة تدريبية يستخدمها المدرب المتألق لجذب المتدربين وشد انتباههم، استعرضناها بالمقال السابق؛ هي استعمال الهاتف (النقال)، وفي هذا المقال نستعرض وسيلة أخرى، وهي:
– دعوة محاضرين بصفتهم ضيوفاً:
عندما يقوم المدرب المتألق بدعوة محاضرين للدورة التدريبية؛ فإن ذلك يعد أداة فعالة في إحياء الدورة.
مثال (1): في إحدى الدورات التدريبية للقطاع النفطي لشركة نفط الكويت، تم دعوة م. عيسى بويابس، رئيس فريق الإطفاء لآبار النفط، لإلقاء محاضرة مدتها ربع ساعة حول نجاح الفريق في إطفاء آبار الكويت المشتعلة بعد التحرير في عام 1991م.
وكان تركيز م. بويابس في محاضرته القصيرة حول التنسيق بين أعضاء الفريق والتناغم بينهم في تنفيذ هدف واحد؛ وهو إطفاء آبار النفط المشتعلة.
وفي ذلك، لا بد أن يدرك المدرب أن أهم عامل في نجاح دورته التدريبية؛ وجود هدف واضح يسعى لتحقيقه بتعاون المتدربين معه.
دعوة محاضرين للدورة التدريبية يعد أداة فعالة في إحياء الدورة ويزيدها تميزاً وتألقاً
مثال (2): في إحدى الدورات التدريبية التي عقدت في كلية الهندسة بجامعة الكويت لطلبة المرحلة النهائية، تم استدعاء أ. فهد الجمعة، الموظف في شركة المشروعات السياحية، لإلقاء محاضرة تحفيزية قبل انعقاد الامتحانات النهائية.
الموظف الجمعة عُرف في شركة المشروعات السياحية بالمقولة التالية: «إذا أردت الممكن فاذهب إلى أي موظف، ولكن إذا أردت غير الممكن فاذهب إلى فهد الجمعة».
بدأ أ. الجمعة محاضرته لطلبة كلية الهندسة بالحديث عن صولاته وجولاته ورحلاته في الكويت والوطن العربي، يقول: كنت معلقاً بحبل من هيلوكوبتر لتنظيف أبراج الكويت بعد عام التحرير من الغزو الغاشم على دولة الكويت، فانزلقت قدماي وأنا فوق البرج الكبير، ولولا لطف الله تعالى لوقعت على الأرض جثة هامدة!
ويقول: كنت يوماً في زيارة لمملكة البحرين، فاتصلَتْ بي محكمة في الكويت الساعة الثامنة صباحاً يطلبونني شاهداً في قضية، وقد كان موعدي مع القاضي الساعة الواحدة بعد الظهر، فانطلقت بسيارتي فوراً من البحرين، ووصلت إلى المحكمة الساعة 12 ظهراً، وأدليت بشهادتي ثم انطلقت راجعاً إلى البحرين، ووصلت إلى هناك الساعة 6 مساء من اليوم نفسه!
أردت أن أكرم أ. الجمعة بعد الدورة، فأخذته إلى كافتيريا كلية الهندسة لتناول الإفطار معاً، ثم ودّعته، ورجوت له التوفيق من الله تعالى.
ثم حصلت لي مفاجأة! جاءتني رسالة من أ. الجمعة بعد ساعتين ونصف ساعة يقول فيها: أنا حالياً في جدة لأداء العمرة! هل تريد مني أن أحضر لك وعاءً من ماء زمزم؟! لم أرد على رسالته، واعتبرتها نكتة لإدخال السرور في قلبي.
على المدرب أن يكون أول من يصل إلى قاعة التدريب سواء كان مدرباً أم محاضراً
وفي صبيحة اليوم التالي، دخلت مكتبي في الجامعة لأرى وعاءً من زمزم فوق المنضدة، وبجانبه علبة من الحلوى من دبي!
فاتصلت بالأستاذ الجمعة وقلت له: أتهزأ بي أم تريد مزاحاً؟ هل حقاً كنت في جدة يوم أمس وأديت شعائر العمرة؟ قال: نعم، وفي طريق عودتي يوم أمس، هبطت الطائرة في مطار دبي في طريقها إلى الكويت مدة ساعتين، فاشتريت لك علبة من الحلوى الإماراتية!
هذا هو فهد الجمعة، الذي ذكر اسمه في موسوعة «جينيس» العالمية في مجال الغوص! واستقبله أمير دولة الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، يرحمه الله، يهنئه!
ومن هذا، فإن المدرب المتألق يجب أن يدعو ضيوفاً متميزين إلى دوراته التدريبية ليزيدها تميزاً وتألقاً.
مثال (3): في الدورة التدريبية التي عقدت في مدينة دنفر بولاية كولورادو الأمريكية، في 27 يوليو 2004م، أعلنت اللجنة المنظمة للدورة عن مفاجأة! وكانت المفاجأة حضور ضيف عالمي، وإلقاء محاضرة له عن القيادة، وذلك في آخر فقرة من المؤتمر.
كانت الساعة تشير إلى 11:15 صباحاً حينما ظهر ضيف الدورة المدرب العالمي بوب جونسون على خشبة المسرح، وبدأ محاضرته العجيبة التي استغرقت 45 دقيقة حول القيادة، وأجمل ما فيها أنه قال: «إن القائد الذي لا يستطيع إقناع أتباعه برؤيته وأهدافه، لن يستطيع أن يقودهم»؛ ما يؤكد أن المدرب المتألق هو الذي يقنع المتدربين برؤيته وأهدافه في دوراته التدريبية.
مثال (4): في إحدى الدورات التدريبية بالنادي العلمي الكويتي، تم دعوتي بصفتي ضيفاً لإلقاء محاضرة حول: كيف تضع خطة شخصية في حياتك؟
فقد استقبلتني السيدة نرجس النامي، مديرة إدارة علماء المستقبل، في مكتبها قبل المحاضرة بنصف ساعة، وقالت لي: ننتظر الجمهور يكتمل في حضوره، ثم تدخل عليهم عند بدء المحاضرة.
التدريب يعدُّ عالَماً لجميع فئات المجتمع بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية
قلت لها: بل أدخل الآن عليهم! أريد أن أصحح مفهوماً سيدتي الفاضلة، وهو أن هناك فوائد كثيرة من دخولي على الجمهور مبكراً، ومن هذه الفوائد: إزالة رهبة مواجهة الجمهور، ومنها التعرف على الجمهور، ومنها الترحيب بهم والتبسم في وجوههم، ومنها إعداد جهاز الحاسوب للعرض التدريبي.
لذلك، على المدرب المتألق أن يكون أول من يصل إلى قاعة التدريب، سواء أكان مدرباً أم محاضراً.
مثال (5): في إحدى دورات جمعية الهندسة والبترول بكلية الهندسة والبترول بجامعة الكويت، تم دعوتي بصفتي محاضراً حول موضوع لقاء المقابلات الشخصية بعد التخرج، وكان ذلك في عام 2013م.
بدأت محاضرتي بقصة حدثت لي مع المدير العام لشركة شلمبرجير النفطية في دولة الكويت، حيث كان لي لقاء معه حول سبل توظيف خريجي كلية الهندسة في شركته، وما التخصصات المرغوبة فيها، كنت أظنه سوف يختار تخصص هندسة البترول لكون شركته نفطية، ولكنه أجاب قائلاً: نحن هنا نريد توظيف جميع التخصصات الهندسية! قلت مستغرباً: لماذا؟! قال: نحن هنا لا نوظف التخصص، بل نوظف العقلية الهندسية الفذة التي يمتلكها خريج الهندسة!
فلا بد أن يدرك المدرب المتألق أن عالم التدريب هو عالم لجميع فئات المجتمع، بغض النظر عن تخصصاتهم العلمية.