نؤمن إيماناً راسخاً لا يعتريه شك ولا ريب أن المستقبل للإسلام، وهذا ما أكده القرآن الكريم وأكدته السُّنة النبوية، قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {32} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة)، وقال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف)، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور: 55).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها» (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر» (زوائد ابن حبان).
وعن النعمان بن بشير عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت. (رواه أحمد وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة).
محاربة الإسلام
لقد تعرض الإسلام لضربات متلاحقة وبخبث ومكر شديد من أعداء الإسلام في الغرب بغية إطفاء نور الإسلام، ووقف حركته، وإماتة يقظته، واستعانوا على ذلك بعملائهم ممن يدَّعون الانتساب الإسلام في الداخل والخارج، فخوفوا العالم من الصحوة الإسلامية وخاصة لدى الشباب، وحرَّضوا على الصفوة من أبناء الأمة، وأمروا عملاءهم بإيذاء الدعاة، واستجاب لهم أولئك العملاء الذين يخافون من انتصار الإسلام أن يحرمهم من شهواتهم، ويجردهم من مكاسبهم المحرمة.
وأعلنت القوى المعادية للإسلام حرباً نفسية على الإسلاميين، تحبط فيهم الأمل في غد أفضل، والرجاء في مستقبل مشرق، وقامت حملات مسعورة، تحركها قلوب موتورة، وتقودها أقلام مأجورة، وأبواق مأمورة، تتهم وتلطخ وتشوه، كل ما هو إسلامي، وتتهم دعاة الإسلام وأبناء الصحوة بالتطرف حيناً، وبالعنف أحيانًا وبالإرهاب طوراً، وبالأصولية أطوارًا(1).
«مركز تكوين الفكر» والحرب القذرة على ثوابت المسلمين
لا يخرج ما يسمى «مركز تكوين الفكر العربي» عن هذه الحرب القذرة على الإسلام والمسلمين؛ حيث اجتمع في هذا الوكر كل ضحايا الجهل والهوى للتشكيك في ثوابت العقيدة والشريعة بكل وسيلة وهمة خسيسة لتكوين جيل خبيث من خلال التضليل العقدي والفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يقف خلفه غربان البغي العلماني الصهيوني أتباع مؤسسة «راند» الماسونية التي تعمل بكل فجور على نشر التجهيل العلمي وجاهلية الرؤية الإبليسية الجهنمية بفروعها اليهودية والصليبية الطاعنة في ثوابت الأمة.
ويعتبر «مركز تكوين» الذي تم الإعلان عنه في 4/ 5/ 2024م بمثابة حاضنة شر ووكر من أوكار الرعاية لكل متمرد على النصوص الشرعية، ولكل راغب في الطعن في السُنَّة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
الأهداف المعلنة
وبالبحث عن أهداف هذا الوكر، وجدنا أن الأهداف التي أعلنها، هي:
– بث روح التجديد والإصلاح في الفكر الديني، لكي يعود إلى مكانته المرموقة وتمكنه من التكامل مع مستجدات العصر.
– تطوير الفكر الديني في الوطن العربي ليواكب التقدم المطلوب في جميع المجالات الفكرية والعلمية والعملية.
– تأسيس جسور تهدف للتواصل بين الثقافة المتجددة حول العالم والفكر الديني.
– إعادة النظر في الموروث الديني المتسبب في عدة مآزق فكرية ودينية واجتماعية؛ ما أدى إلى ظهور بعض المنظمات المتطرفة.
الأهداف الحقيقية
وإذا كانت الأهداف السابقة هي المعلنة، إلا أن الأهداف الحقيقية التي لا تخفى على كل ذي لب، التي يؤكدها ماضي هذه الشرذمة كالتالي:
1- التشكيك بصحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
2- التشكيك في أن الإسلام دين من عند الله تعالى.
3- التشكيك في صحة الحديث النبوي، ومهاجمة رواة السُّنة واتهامهم بالكذب.
4- التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي الذاتية.
5- التشكيك في قُدْرة اللغة العربية على مسايرة التطور العِلمِي.
6- العداء السافر للصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
7- الخصومة الظالمة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وصناعة الأكاذيب للطعن واللمز بهن رضي الله عنهن.
8- الطعن في التاريخ الإسلامي ومحاولة توظيف أحداث التاريخ بما يخدم مخططهم الخبيث.
9- السعي نحو الطعن في تراث المسلمين في عمومه، وكتب السُّنة بصفة خاصة.
10- توجيه سهام العداء لأهل السُّنة والجماعة عن طريق القراءة المختلة والفهم الكاذب لكتب التراث.
الأزهر يعلق
وقد علق د. علي الأزهري، عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وعضو اللجنة الفقهية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف على هذا الوكر قائلاً: إن «مركز تكوين الفكر العربي» يضم أشخاصًا يشككون في السُّنة والعقيدة، ويجب على مؤسسة الأزهر الشريف أن تنتبه لهذا المصاب الجلل.
وأضاف: «لقد وجدت جمعًا من طلاب الأزهر ومن الكليات العلمية، يجنحون أو يميلون لأقوال هذا الصنف».
واستطرد قائلاً: «الأزهر عليه واجب في هذا الوقت، كما أن أرباب الكلمة يجب عليهم إعادة النظر في المناهج، وبخاصة مناهج العقيدة والتيارات والشبهات المثارة حول الاعتقاد».
وأكد أهمية حماية الطلاب، قائلاً: «لقد تحملنا أمانة توعيتهم، وردهم عن الانحراف قدر الطاقة».
وذكر أن تدشين «مركز تكوين الفكر العربي» دعوة إلى الإلحاد بشكل صريح، ودعوة للتشكيك والطعن في الثوابت الدينية الإسلامية، وله تمويل ضخم وإعلانات ممولة وبرامج يُنفَق عليها مبالغ لا حد لها.
نداء إلى علماء الأمة
أصحاب الفضيلة علماء الأمة، نعلم أن هذه الهجمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؛ ولكن صمتنا على جرائم هؤلاء الأوغاد يشجعهم على التمادي في هذا الإجرام خاصة وهم يجدون التشجيع المادي والمعنوي من منظمات عالمية عُرفت بعدائها الشديد لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
إن أعداء الإسلام يريدون الانتهاء منه، ويريدون استغلال المصائب التي نزلت بأمته كي يبنوا أنفسهم على أنقاضها، يريدون بإيجاز القضاء على أمة ودين، وقد قررنا نحن أن نبقى، وأن تبقى معنا رسالتنا الخالدة، أو قررنا أن تبقى هذه الرسالة ولو اقتضى الأمر أن نذهب في سبيلها لترثها الأجيال اللاحقة، من أجل ذلك نرفض أن نعيش وفق ما يريد هؤلاء، أو وفق ما تقترحه علينا عقائد ونظم دخيلة، ومن حق المسلمين أن يعيشوا في بلادهم وفق تعاليم دينهم، وأن يبنوا مجتمعهم حسب الرسوم التي يقدمها الإسلام لإقامة الحياة العامة، ومن ثم نجد أن واجب اللحظة يتمثل في:
1- بذل النصيحة للمسلمين؛ حكاماً ومحكومين، مع بيان ضرورة التلاحم والتعاضد والتآخي فيما بينهم، وتقوية أواصر الأخوة الإسلامية، وإحياء التضامن الإسلامي، والتحذير من كل عوامل الفُرقة، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103)، وقال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال: 46).
2- تعميق التدين الصحيح لدى جماهير المسلمين، مع بيان أن الإسلام دين شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء: 65)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 108).
3- بث روح الأمل وتعميقها في نفوس جماهير المسلمين، وفي القلب منهم الشباب بتجاوز هذه الحال التي آلت إليها الأمة من الفرقة والتشتت، والوهن والتردي، وأن عودة المسلمين إلى موقع الريادة والسيادة، وتبوؤ مقام الصدارة في العالم ليس بالأمر المحال.
4- الجهاد بالقلم واللسان لإزالة المعوقات الفكرية والثقافية التي تقف حجر عثرة في سبيل تقدم المسلمين، وعودة وحدتهم، وكشف زُيوف وتلبيس الدعوات الضالة الهدامة التي تحارب الإسلام، وتناهض وجوده وتفعيله في نفوس المسلمين وواقعهم.
5- توظيف الأحداث والنوازل التي تنزل بالمسلمين، والمصائب التي يرميهم أعداؤهم بها، في تدعيم وتعزيز العودة إلى الإسلام، مع بيان زيف وفساد ما يُسمى بالنظام الدولي الذي تتزعمه أمريكا في هذا العصر.
6- على علماء الأمة ودعاتها أن يقدموا من أنفسهم القدوة الحسنة أمام عموم المسلمين في الالتزام بالإسلام كمنهج حياة، وأن يرى جمهور المسلمين ذلك في أعمالهم.
________________________
(1) مبشرات بانتصار الإسلام، د. يوسف القرضاوي (1/ 8).