تعد قضية عمل المرأة من أهم القضايا التي أثرت في مستقبل الأسرة العربية والمسلمة منذ ظهور ما يسمى بالنسوية والحقوق المزعومة للمرأة، ومن أكثر الابتلاءات التي بليت بها الأمة وساهمت في تنشئة جيل مهضوم الحقوق منقوص التربية بعدما تخلت المرأة عن مهمتها السامية وقصرت في أهم واجباتها بدعوى أحقيتها في تحقيق ذاتها، فتمردت على واجباتها كزوجة وأُم.
وفي دراسة لمجموعة من الباحثين تقول في إحدى فقراتها: «لا شك أن عمل المرأة خارج المنزل يؤدي إلى اختلال لدورها الأمومي، فمن العسير أن تتمكن من القيام بمسؤوليتها الطبيعية كأم لأبنائها، وفي الوقت ذاته تؤدي عملها في الخارج، وفي أغلب الأحوال، إن لم يكن في جميعها، فيكون عمل المرأة في الخارج على حساب أبنائها، فنجدهم محرومين من مقومات النمو النفسي، أما فيما يخص نموهم الجسمي فيكون اهتمامها موجهاً نحو شراء علب الحليب المجفف وتحضيره لإسكاته»(1).
أهمية وجود الأم في سنوات التربية الأولى
دراسات ومراجعات متعددة تمت حول أهمية وجود الأم في السنوات الخمس الأولى في حياة الطفل، خاصة بعد التدهور الكبير الذي تعرضت له العملية التربوية وهبوط مستوى الأجيال الحالية أخلاقياً ونفسياً بعدما صار عمل المرأة واقعاً مفروضاً على المجتمعات العربية.
ولا تمثل أهمية وجود الأم جانباً عاطفياً فقط، لكنه يؤثر إيجاباً أو سلباً في كافة النواحي التكوينية للطفل، ففي دراسة للباحث محمد رفعت يقول فيها: «إن الطفل في مرحلته الأولى في حاجة إلى الرعاية والاهتمام، أكثر من حاجاته المادية، ولهذا تعتبر الأم المعلم الوحيد للطفل، فهي تؤدي وظيفة تربوية عميقة الأثر بالنسبة لأطفالها، كونها المصدر الأول والضروري للتربية، فهي التي تنتج هؤلاء الأطفال.
كما أن المجال الاجتماعي الأول في التنشئة الاجتماعية هو مجال الأسرة، وأول الناس الذين يمارسون مستلزمات التربية الحقة والتعليم في تاريخ الفرد هما الوالدان، وخاصة الأم التي تقوم بتعليمه ما يجب عليه تعلمه، كتناوله غذاءه وتغيير ملابسه.. إلخ»(2).
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن تربية الأم لطفلها أجدى بكثير من تربية الخدم والأقارب»(3).
وبالنسبة للنساء العاملات اللاتي يتخلين عن مهمة التربية الأولى لانشغالها بالعمل، فتقول الباحثة البريطانية باولا بيتس: «إن أهم شيء بالنسبة لصحة الطفل النفسية هو إحساس الطفل بالأمن، وشعوره بأنه محبوب ومرغوب فيه من طرف أمه، ومقبول في جميع الأوقات»(4).
وتضيف الباحثة إلى ضرورة مراقبة الأم لطفلها في السنوات الأولى من حياته، وهذه عبارة عن دعوة مباشرة للأمهات العاملات اللائي لا يتمكن من مراقبة أطفالهن جيداً بسبب ابتعادهن عنهم طوال مدة عملهن اليومي، علماً أن الدراسات التربوية تشير إلى أهمية الطفولة باعتبارها أهم المراحل النمائية.
وهاجمت الباحثة البريطانية النساء العاملات بشدة على تخليهن عن أدوارهن لصالح دور الحضانة أو للخادمات واتهمتهن بالأنانية، بل واتهمتهن بأنهن لا يتقن أي عمل، وتقول الباحثة: «إن رعاية الأطفال وتربيتهم مهنة قائمة بذاتها تأخذ الكثير من الوقت والجهد، وإذا لم تلمس الأم العاملة هذا، فعليها أن تتحمل الشعور بالذنب»(5).
وليست هذه هي الدراسة الوحيدة التي تؤكد تفصيلياً أهمية وجود الأم لتكوين طفل طبيعي، ومهما بلغت براعة المربية أو المعلمة أو الخادمة أو الجدة، فلن يستطيع أي من هؤلاء الوصول لنتيجة وجود أُم متفرغة لتربية أبنائها وتنشئتهم وتكوين مفاهيمهم منذ لحظات الميلاد الأولى.
وخلاصة القول، يقول أحمد شلبي في كتابه «الحياة الاجتماعية في التفكير الإسلامي»: «إن الأم التي تعمل دون حاجة للعمل تخسر أكثر مما تكسب، ولو جلست يوماً لتسجل الأرباح والخسائر لأسرعت في التفرغ لزوجها وأولادها وبيتها».
عمل المرأة وقوامة الرجل
ولا يؤثر عمل المرأة على الأطفال وحسب، وإنما يؤثر بشكل مباشر على علاقة الزوجين أحدهما بالآخر، فالزوجة هنا لم تقتطع جزءاً من وقت الأسرة لصالح العمل، وإنما تقتطع جزءاً من ذاتها واهتمامها وربما احترامها واحتياجها له، وفي بحث «التفكك الأسري دعوة للمراجعة»، يقول الباحث: وقد يؤدي عمل المرأة أحياناً إلى عدم الاستقرار الزواجي في ضوء ما يسببه دخل المرأة من كيان اقتصادي، يضفي على المرأة قوة، يرفضها الزوج، فيسعى إلى منعها من العمل والدخول في طاعته، ذلك أن الإسلام حدد الحقوق الشرعية للزوج على زوجته، ومنها حق الطاعة والقرار في بيت الزوجية، مما يؤدي إلى الصراع بين الزوجين الذي قد ينتهي بالطلاق.
ومن جهة أخرى، فإن عمل المرأة يضعف قوامة الرجل في النفقة، فهي تكسب مالها بنفسها، وقد تعبر عن الاستغناء عن الزوج مادياً، كما قد تعبر عن قدرتها على الإنفاق على أبنائها في حال طلاقها، وتشير الممارسات الواقعية إلى حدوث النزاع بين الزوج والزوجة على راتبها الشهري عندما تعمل خارج المنزل، فقد يستولي الزوج على كامل راتبها بحجة الإنفاق، وقد يطالبها بدفع أجرة البيت أو بدفع نصف راتبها إلى غير ذلك مما قد يفضي إلى النزاع والشقاق الدائمين(6).
أهم دوافع عمل المرأة وكيفية معالجتها
تتنوع الدوافع التي تخرج المرأة من بيتها ما بين العامل الاقتصادي الذي يجبر المرأة على العمل نظراً لحاجتها للمال لوفاة الزوج أو الطلاق وتنصل الدولة عن تغطية احتياجاتها الضرورية، والعامل الذاتي التي تريد فيه إثبات ذاتها وممارسة حقوق تلاعب بها الإعلام ضد مصالح الأسرة، ودوافع سياسية أو اجتماعية تصب جميعها في غير صالح الفرد والأسرة.
ومعالجة تلك الدوافع يجب أن تكون عن طريقين لا ثالث لهما:
أولاً: التوعية الفردية للمرأة والفتاة والأب والزوج وكافة الأطراف المعنية بمستقبل الأسرة وأفرادها بأهمية تعليم الفتاة تعليماً خاصاً يؤهلها للأمومة والزوجية إلى جانب فروع التعليم الأخرى، فتحصل على شهادة جامعية تؤهلها للوظيفة الأساسية لها دون تقليل من شأن الأم المتفرغة، فهي العاملة والمنتجة بحق.
ثانياً: قيام الدولة والأنظمة والمؤسسات المعنية بكفاية المرأة المعيلة لتتفرغ تماماً لتربية أبنائها من زوجها المتوفى أو المطلق، لتستطيع القيام بمهمتها كأفضل ما يكون، فإن ما تقدمه للدولة نتيجة تفرغها رغم إنفاق الدولة عليها، أكثر بكثير مما يعود عليها إن هي تركت أبناءها لغيرها يقوم بتربيتهم في مقابل الحصول على مال يطعمهم ويكسيهم.
إن على كافة الأطراف أن تدرك خطورة تخلي الأم لأي سبب عن مهمتها كزوجة وأُم، فالحاجة المادية يمكن تعويضها بأكثر من وسيلة، والحاجة الذاتية تعالج بالتربية الصحيحة للفتاة في سن مبكرة وتدريبها على كونها أماً وزوجة.
_________________________
(1) التفكك الأسري دعوة للمراجعة، دراسة لمجموعة من الباحثين، ص51.
(2) تربية الطفل صحياً من الولادة حتى العاشرة، ط1، بيروت.
(3) محمد سمير حسانين، التربية الأسرية، ص110.
(4) نقلاً عن عالية الرفاهي، نمو الطفل ورعايته، ط1، عمان، دار الشروق.
(5) شاهد من الغرب، باحثة بريطانية تواجه الأمهات، مجلة النور، العدد (99)، بنك التمويل الكويتي، ص 96.
(6) التفكك الأسري دعوة للمراجعة، ص 52.