يعد نقض العهود والمواثيق من أبرز صفات اليهود الملازمة لهم في كل زمان ومكان، قال تعالى في كتابه العزيز: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100)، وقال تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (الأنفال: 56).
فاليهود لا يقيمون وزناً لعهدٍ ولا لميثاقٍ، جاء في سفر القضاة بالعهد القديم: «وأنتم فلا تقطعوا عهداً مع سكان هذه الأرض اهدموا مذابحهم ولم تسمعوا لصوتي فماذا عملتم»، وجاء في التلمود: «على اليهودي أنْ يؤديَ عشرينَ يميناً كاذبةً، ولا يَعرِّضُ أحدَ إخوانه اليهودِ لضررٍ ما»(1).
ومن العهود التي حصلت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب عندما قدم إلى المدينة المنورة ألا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحداً، وقد عمل عهداً مع يهود المدينة في زمانه؛ كونهم كانوا هم القوة الكبيرة داخل المدينة، وكان أشهرهم يهود بني النضير، وبني قينقاع، وبني قريظة، وكانت كل هذه العهود والمواثيق يتم نقضها من قبلهم(2).
وفي ميثاق صدر عن علماء الأمة في عام 2017م حذر من التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية، وأكدوا أن مقاومة التطبيع حق تشرعه الرسالات الإلهية والمواثيق والأعراف الدولية، ولا تبيحه ضرورة ولا تجيزه مصلحة ولا يشهد لجدواه واقع.
وقال الميثاق: إن مقاومة التطبيع واجب شرعي ومسؤولية إنسانية حضارية تقع على عاتق شرائح المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية بشخصياتها ومؤسساتها وتجمعاتها كافة.
لذلك تتطلب مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني إستراتيجية شاملة ومتنوعة، وفيما يلي أبرز مساراتها:
1- التوعية والتثقيف:
يمكن أن تحقق هذه الخطوة تأثيرًا ملموسًا وتساهم في دعم القضية الفلسطينية على المستويات المحلية والدولية من خلال:
– إطلاق حملات توعية: نشر المعلومات عن أخطار التطبيع وآثاره السلبية على القضية الفلسطينية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
– التعليم: إدخال مواد تعليمية في المناهج الدراسية توضح تاريخ القضية الفلسطينية وأخطار التطبيع.
2- المقاطعة الاقتصادية:
المقاطعة الاقتصادية وسيلة فعالة للمجتمعات للتعبير عن مواقفها السياسية والاجتماعية والضغط على الحكومات والشركات لتغيير سياساتها، وفي سياق القضية الفلسطينية، تهدف المقاطعة الاقتصادية إلى الضغط على «إسرائيل» لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وتعزيز حقوق الفلسطينيين، ومن أدواتها:
– تشجيع المقاطعة: تعزيز حملات مقاطعة المنتجات الصهيونية والشركات التي تتعامل معها.
– بدائل محلية: دعم المنتجات المحلية وتشجيع الاستثمارات في القطاعات الوطنية لتعويض المنتجات المستوردة من دولة الاحتلال.
3- التضامن الثقافي والفني:
الفن والثقافة يعبران عن هوية الشعوب، ويمكن استخدامهما لنقل رسائل قوية وتوعية المجتمعات حول أخطار التطبيع، ومن وسائل ذلك:
– رفض التطبيع الثقافي: الامتناع عن المشاركة في الفعاليات الثقافية والفنية التي تتضمن مشاركة صهيونية.
– تعزيز الثقافة الفلسطينية: دعم الفن والثقافة الفلسطينية وإبرازها على الساحة الدولية كوسيلة لمقاومة التطبيع.
4- الدبلوماسية والنشاط السياسي:
يمكن توظيفهما لزيادة الضغط على الحكومات والشركات التي تدعم الاحتلال «الإسرائيلي» ولتعزيز التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، من خلال:
– الضغط السياسي: الضغط على الحكومات والبرلمانات لاتخاذ مواقف صارمة ضد التطبيع من خلال الحملات الشعبية والسياسية.
– تحالفات دولية: بناء تحالفات مع الدول والشعوب المناهضة للتطبيع ودعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
5- الدعم القانوني والحقوقي:
هذا المسار يعتبر ركنًا أساسيًا في إستراتيجيات مواجهة التطبيع، حيث يمكن استخدام الأدوات القانونية والحقوقية لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والضغط على الحكومات والشركات لتغيير سياساتها، فيما يلي إستراتيجيات وأدوات لدعم مواجهة التطبيع من منظور قانوني وحقوقي:
– المنظمات الحقوقية: دعم المنظمات الحقوقية التي تعمل على فضح الانتهاكات الصهيونية وتقديم القضايا أمام المحاكم الدولية.
– التوعية القانونية: نشر الوعي حول حقوق الفلسطينيين والقوانين الدولية التي تحميهم.
6- العمل الشعبي والجماهيري:
تمثل مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني قضية مركزية في العديد من البلدان العربية والإسلامية، وتستند إلى جهود شعبية وجماهيرية متعددة الأوجه، مثل:
– المظاهرات والاحتجاجات: تنظيم مظاهرات واحتجاجات سلمية ضد التطبيع في الدول التي تتجه نحو إقامة علاقات مع الاحتلال.
– العمل التطوعي: تشجيع الشباب على المشاركة في الأنشطة التطوعية لدعم القضية الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية.
7- وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي:
يمثل الإعلام وسيلة قوية لنشر الوعي والتغيير في المجتمعات، ويجب أن يتم استخدامه بشكل فعال كجزء من إستراتيجية شاملة لمواجهة التطبيع مع الاحتلال، ومن الطرق التي يمكن استخدامها لهذا الغرض:
– تنظيم حملات إعلامية: يمكن تنظيم حملات إعلامية متعددة الوسائط تستهدف توعية الجمهور بخطورة التطبيع وتأثيره على الشعوب المتضررة.
– تعزيز النقاش العام: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام» لتعزيز النقاش العام حول قضايا التطبيع، يمكن تنظيم حملات وسائل التواصل الاجتماعي مع وسمات مخصصة لجذب انتباه الجمهور وتشجيعهم على المشاركة والتعبير عن آرائهم.
8- المشاركة الأكاديمية:
يمكن للأكاديميين أن يؤدوا دورًا حيويًا في توجيه البحث والتعليم حول هذه القضية المهمة، من خلال:
– البحث العلمي: دعم الأبحاث والدراسات التي تتناول آثار التطبيع على القضية الفلسطينية.
– المؤتمرات والندوات: تنظيم مؤتمرات وندوات أكاديمية لبحث ومناقشة طرق مواجهة التطبيع وتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني.
_______________
(1) موقع «هيئة علماء فلسطين»، حكم التَّطبِيع ومخاطره على المسلمين، أ.د. صالح الرقب.
(2) كتاب «الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديماً وحديثاً»، أمثلة على نقض العهود والمواثيق قديماً، هود أبو راس.