إن العبء الكلي الذي يثقل به نظام اقتصادي النظم الأيكولوجية التي يقوم عليها هو دالة لثلاثة متغيرات، هي: حجم السكان، ومتوسط الاستهلاك، ومجموعة التقنيات.
وما يحدث بوجه عام هو أن المهتمين بشؤون البيئة يبحثون في تنظيم التقنيات وتغييرها، ومؤيدي تنظيم الأسرة يركّزون على إبطاء النمو السكاني.
بَيْدَ أنه لا يمكن أن يكفي التغيير التقني وتثبيت عدد السكان وحدهما لإنقاذ الكوكب من دون تكميلهما بخفض الاحتياجات المادية.
وللأسف، فإن الاستهلاك المرتفع نعمة متناقضة الأوجه فيما يتعلق بالإنسان أيضاً، فالناس الذين يعيشون في التسعينيات هم في المتوسط أغنى من أسلافهم في بداية القرن أربع مرات ونصف مرة، ولكنهم ليسوا أسعد منهم أربع مرات ونصف مرة.
وما هو أسوأ أن هناك مصدرين رئيسين للرضا الإنساني؛ وهما العلاقات الاجتماعية، ووقت الفراغ، يبدو أنهما قد ضويا أو توقف تقدمهما في زحمة الاندفاع طلباً للثراء؛ وعلى ذلك، فلدى كثيرين منا في المجتمع الاستهلاكي إحساس بأن عالم الوفرة الذي نعيش فيه أجوف بطريقة أو بأخرى، وبأننا قد خدعنا بالثقافة المحبّذة لزيادة الاستهلاك.
فقد كنا نحاول بلا جدوى تلبية الاحتياجات الاجتماعية والنفسية والروحية أساساً بأشياء مادية فقط منقادين خلف خيالات وتصورات متوهمة، وفي المقابل، فإن نقيض «فرط الاستهلاك»؛ وهو «العوز» بالطبع ليس هو الحل للمشكلات البيئية أو الإنسانية، فهو أسوأ بلا حدود بالنسبة لكثير من الناس وسيئ للعالم البيئي.
فإذا كان الدمار يحل عندما يكون ما لدى الناس أقل أو أكثر مما ينبغي، فليس أمامنا إلّا أن نتساءل: وما مقدار ما يكفي؟ وما مستوى الاستهلاك الذي تطيقه الأرض؟ ومتى تتوقف زيادة الثراء عن زيادة رضا الإنسان بقدر محسوس؟ وهل يمكن لجميع السكان في العالم أن يعيشوا عيشة مريحة دون أن يتسبّبوا في تدهور ازدهار الكوكب البيئي؟
وهل يوجد مستوى معيشي أعلى من الفقر والكفاف ولكن دون أسلوب الحياة الاستهلاكي؟ وهل يمكن أن يكون لدى جميع الناس في العالم تدفئة مركزية وثلاجات ومجففات ملابس وسيارات وأجهزة تكييف الهواء وأحواض سباحة مياهها دافئة ومنزل لكل منهم؟! الحقيقة، لا يمكن الإجابة بشكل قاطع عن كثير من هذه الأسئلة.
ولكن التساؤل أساسي، على الرغم من ذلك، بالنسبة لأعضاء المجتمع الاستهلاكي، فإذا لم ندرك أن المزيد ليس دائماً أفضل، فإن جهودنا لإحباط التدهور البيئي ستطيح بغالبية شهواتنا.
وإذا لم نتساءل، فالمحتمل أننا سنكون عاجزين عن إدراك القوى المحيطة بنا، التي تثير هذه الشهوات مثل الإعلان المستمر بلا هوادة والمراكز التجارية الاستهلاكية والضغوط الاجتماعية لمجاراة الخلّان والجيران.
وللأسف، فقد لا ننتهز الفرص لتحسين مستويات حياتنا بتخفيض الاستهلاك المرتفع، وخفض ساعات العمل وقضاء بعض الوقت مع الأسرة والأصدقاء.
ومع هذا، فليست هناك مغالاة في أن التحوّل من المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع متواصل صعب، فنحن المستهلكين ننعم بأسلوب حياة يطمح إليه كل إنسان تقريباً، ولم لا؟!
فمَنْ ذا الذي لا يسارع إلى اقتناء سيارة ومنزل كبير على مساحة واسعة من الأرض يتحكم في درجة الحرارة داخله طوال أيام السنة؟ إن زخم قرون التاريخ الاقتصادي وشهوات الستة مليارات شخص المادية تنحاز إلى جانب زيادة الاستهلاك، وعلى ذلك، فربما نكون أمام مشكلة لا تسمح بأي حال بعلاج مقبول، فالتوسع في أسلوب الحياة الاستهلاكي ليشمل الجميع من شأنه أن يعجّل خراب المحيط الحيوي.
فالبيئة العالمية لا تستطيع إعالة 1.5 مليار شخص يعيشون على نمط معيشة المستهلكين الغربيين، ولا بالتأكيد 6.5 مليارات شخص أو سكان العالم في المستقبل الذين لن يقل عددهم عن 8 مليارات شخص.
ومن ناحية أخرى، فإن خفض مستويات استهلاك المجتمع الاستهلاكي وكبح الطموح المادي في المجتمعات الأخرى اقتراح خيالي غير عملي، ولو أنه مقبول أخلاقياً، ومع هذا فقد يكون هو الخيار الوحيد.
فإذا أريد لأحفادنا أن يرثوا كوكباً عامراً بالوفرة والجمال، فيتحتم علينا نحن المنتمين إلى طبقة المستهلكين أن نأكل ونتنقل ونستخدم الطاقة والموارد بأسلوب أقرب شبهاً للأسلوب المتبع في الدرجة الوسطى من السلم الاقتصادي العالمي.
ختاماً، أقول: إن غنى المرء يتناسب مع الأشياء التي يطيق أن يدعها وشأنها!
________________________
للتواصل: zrommany3@gmail.com.