أستاذي الفاضل د. يحيى، أنا زوج في نهاية الأربعينيات، وزوجتي تصغرني بسنتين، عشنا أجمل قصة حب بالجامعة، توجت بزواجنا بعد تخرجها، الحمد لله لا نعاني من أي مشكلات زوجية، وأمورنا طيبة، فأنا أحصل على دخل مرتفع من وظيفتي الأساسية صباحاً، وأعمل بوظيفة أخرى مساء بمكتب استشاري، بالإضافة إلى عائد من تركة أبي يوفر لنا بفضل الله كل احتياجاتنا، بل وندخر منه، رزقنا الله بأربعة أولاد هم بهجة حياتنا، زوجتي سيدة فاضلة ومتفرغة لرعايتنا الفائقة.
في بداية زواجنا ومع بهجة الحياة الزوجية كنا في قمة السعادة والاشتياق، ومع أول مولود لنا اهتمت زوجتي به وقلَّ اهتمامها بنفسها وبي، وانشغلتُ أنا أيضاً بعملي ومتابعة أحدث التطورات في تخصصي، وأصبحت فعلاً متميزاً بين زملائي وحصلت على عدة ترقيات استثنائية وازدادت مسؤولياتي المهنية، وضاعف من ذلك فرصة العمل المسائي التي كان دخلها مغرياً بقبولها.
كما أن زوجتي أيضاً زاد انشغالها بالأولاد وأصبحت تتحمل أعباء أكثر؛ لأني أظل بالعمل حتى ساعات متأخرة من الليل، كذلك الإجازات بعد أن كنا نقضي معاً عطلة منتصف العام في رحلة داخلية والعطلة الصيفية بالخارج، ومع انشغالي أصبحت أقضي معهم يومين أو ثلاثة ثم أتركهم وأعود لعملي، وكثيراً ما كنت أعتذر، ويذهبون بمفردهم.
لم ألاحظ تباعد لقاءاتنا، حيث عادة ما أعود وتكون زوجتي قد نامت منهكة لأنها تستيقظ قبل الأولاد لإعداد فطورهم وتوصيلهم للمدرسة، وعندما أستيقظ أنا تكون هي ما زالت بالخارج، وقد نتقابل قبل ذهابي للعمل، كان تفوقي المهني يبهرني والعوائد المادية تغريني وما أجمعه من ثروة للأولاد يسعدني.
ودارت الأيام، وفجأة وجدتني أعيش مع امرأة أصدق وصف لها أنها أكفأ مديرة منزل! تجاعيد وجهها وبعض الشيب برأسها وترهّل جسدها يزيد من عمرها سنوات وسنوات، لا أذكر متى كان آخر لقاء بيننا! بعد أن كنا نلتقي حوالي 4 أو 5 مرات أسبوعياً، كم كانت مجرد كلماتها العاطفية تثيرني! كيف خَفُتَ بريق رؤيتها؟! كيف تلاشى تأثيرها؟! بل كيف نفد شوقي لها؟! لماذا أصبحت هكذا؟!
ولكن ما صعقني حقاً هو في صباح يوم وأنا أهم بالخروج لعملي، لاحظت صورة شخص ما معلقة بجانب الباب! من هذا؟! لا.. لا.. إنها مرآة! نعم إنه أنا! وجدت الشيب يغزو ما بقي من شعري، حاولت أهرب من هول صدمتي، اتصلت بمدير مكتبي لأعلم جدول اجتماعات اليوم! لم أستطع متابعة عملي، طاف بذهني تطور علاقتي بزوجتي.
كما كنت متوقعاً، بدأ الملل يشوب علاقتنا، وهذا طبيعي جداً، نفس الزوجة بوجهها مهما كان جميلاً، ونفس اللقاء، الفارق الوحيد أنه في بداية الزواج هناك لقاء بعد حرمان وشوق لحياة جديدة، أما الآن، فلم يعد ما يثير! حتى أصبح التكرار مملاً وعبئاً وكأنني تلميذ أمره المدرس عقاباً له بكتابة جملة مائة مرة! وكثيراً ما كان يفشل اللقاء، وأصبح كل منا يتعلل خجلاً بالانشغال، حتى أحاديثنا مللناها، لم يعد لدينا ما نقوله أو يجذبنا لمتعة الحوار، حتى أضحت إشارة اليد أو إيماءة برأس تكفي للتعبير عن الحديث، لكن سرعان ما تذكرت إنجازاتي المهنية وما جمعته من ثروة واستثماراتي الناجحة، وأن حالة الركود أو السكون الزواجي هي التي دفعتني لهذا النجاح!
أشعر أنني كالقاطرة التي يحترق الوقود بداخلها تقطع المسافات لهثاً حتى تصل إلى النهاية ثم سرعان لتعود لنقطة البداية، وهكذا لقد مللت وسئمت كل شيء وأعجز عن المواصلة، فهل لديك حلاً؟
التحليل
إن من شروط الزواج ألا يكون موقوتاً، وإلا أصبح زواج متعة -المحرم عند أهل السُّنة- فالنية عند الزواج الديمومة، ولو كان الفتور في الزواج أمراً طبيعياً لاستحالت العشرة الزوجية معه، الله سبحانه هو الذي شرع الزواج ونعته بالميثاق الغليظ؛ لذا فالأصل أن يظل الزوجان ينعمان بالمودة والرحمة ما داما متزوجين؛ لذا فالفتور الزوجي حالة مرضية طارئة على الحالة النفسية لأحد الزوجين أو كليهما نتيجة خلل في الحياة الزوجية، التي من أمثلتها:
1- أولويات خاطئة:
إن الاهتمام برعاية الأسرة بالأساس مسؤولية الزوج بناء على تكليف الله تعالى له بالقوامة، نعم هو مسؤول بأن يضرب في الأرض طلباً للرزق الحلال الذي تكفل به الخالق، ولكن يجب الموازنة بين المتطلبات المادية للمعيشة والرعاية الروحية والوجدانية والنفسية له ولمن يعول.
فالاهتمام الأساسي يجب أن ينصب على تحقيق المودة والرحمة لأسرته لتكون قادرة على تربية جيل قادر على حمل أمانة نهضة الأمة، أما الوظيفة والاستثمارات هي أدوات لدعم احتياجات الأسرة؛ لذا يجب ألا يكون التفوق المهني غاية على حساب الرعاية الأسرية وهي فرض عين على الزوجين.
إن عدم الموازنة بين توفير الاحتياجات المادية وإشباع الاحتياجات النفسية التي لا تقل أهمية عن الاحتياجات المادية لكل أفراد الأسرة يُحدث خللاً نفسياً، ويوجه جل الجهد خطأ نحو الوظيفة وجمع المال؛ ويصاحبه بالضرورة تقصير في الرعاية المعنوية للأسرة، فالأم تضطلع بدور محوري في تلبية الاحتياجات المعنوية للأسرة، بشرط عدم معاناتها من أي عوز وجداني (احترام، تقدير، امتنان، مشاركة، أمان..) أو عاطفي أو جنسي، وهذا حقها وفرض على الزوج تلبيته، ومناط به ولا يستطيع غيره القيام به عنه!
كذلك الزوجة، نعم تربية الأولاد غاية عظمى، ولكن العناية بالذات والزوج أولى؛ لأن بدون رعاية كل زوج لنفسه وزوجه يفقد القدرة على تربية الأولاد.
2- إهمال العناية المناسبة بالنفس والزوج:
إن من مقاصد الزواج إحصان النفس، والإشباع العاطفي والجنسي حق وفرض على كلا الزوجين، ولا يتم ذلك إلا بالعناية النفسية والبدنية لكلا الزوجين؛ لذا ففرض على كل زوج أن يعتني بذاته وبزوجه نفسياً وبدنياً حتى يتمكن من القيام بحقوق زوجه، كما أن الزوج لن يستطيع القيام بحقوق زوجه إلا إذا خصص له من الاهتمام والوقت ما يمكنه من ذلك، وأخص بالتأكيد حقوق الزوجة العاطفية والجنسية المنوطة بزوجها فقط، لأنه إن قصَّر الزوج في حقوقها المادية فقد يتكفل بها والدها، أما وإن قصَّر الزوج في حقوق زوجته العاطفية والجنسية فمن يعوضها؟!
3- عدم التطوير والابتكار والتجديد:
من المؤكد أن نمط الحياة الرتيب التكراري يصيب الإنسان بالملل، لذا يجب على كلا الزوجين:
– الورد القرآني اليومي يقرآنه معاً والأولاد مهما كانت أعمارهم (حلقة ذكر).
– التنافس في حفظ، تفسير، تدبر القرآن والأحاديث.
– هوايات مشتركة: لغة جديدة، رياضة، المطبخ، إصلاح ذات البين، السياحة والتعرف على قبس من قدرة الخالق سبحانه.
– الرقية والدعاء.
– التزود المعرفي بكيفية التواصل العاطفي والجنسي، وهناك المئات من الصفحات الإلكترونية الإسلامية تحت إشراف المتخصصين.
– أن يتنافسا في الإبداع في كل مناحي حياتهما، من صاحب أفضل فكرة؟ (التفكير الإبداعي خارج الصندوق).
– تعدد قنوات التواصل، مثل: سهرة تلفزيونية ترفيهية، سياسية.
– أنشطة دعوية (من خلال أدوات التواصل الاجتماعي)، ثقافية (المراكز الثقافية، قنوات «يوتيوب»)، تربوية (صفحة إلكترونية لتقديم خبراتهما التربوية والاطلاع على تجارب الآخرين)، اجتماعية (مجموعة «وتساب» لمعاودة المرضى ومواساة المبتلين وتهنئة من لديهم أحداث سعيدة من الأهل والمنطقة..).
– مشاركة الزوج زوجته في بعض الأنشطة المنزلية، كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله.
– نزهة أسبوعية خاصة بهما، يوم كل شهر، 3 أيام كل سنة.
– التريض معاً يومياً.
وإلى الأخ الكريم الذي سأم من حياته الزوجية:
1- استغفر لذنبك واستسمح أهلك.
2- اعلم أنه بالإخلاص والدعاء والأخذ بأسباب الصحة النفسية والبدنية يمكن للزوجين أن يتمتعا بالإشباع العاطفي والجنسي حتى نهاية عمرهما مهما بلغا.
3- اعتذر عن عملك المسائي.
4- انتهز أقرب فرصة لرحلة أسرية ولا تأخذ جوالك معك.
5- أسرتك ليست في حاجة إلى المزيد من المدخرات، ولكنهم في أشد الاحتياج لتعويضهم عن سنين عجاف من الحرمان.
6- اعرض نفسك على طبيب متخصص فقد يكون ضعفك نفسياً وليس بدنياً.
7- شارك زوجتك في أعباء الأولاد حتى تجد الوقت لرعاية نفسها.