في مفاجأة كبيرة، اكتسح التيار الإسلامي في الأردن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 سبتمبر 2024م، وحصل على المركز الأول متفوقاً على 37 حزباً، ومقاعد المحليات والأقليات.
وهو ما يشكل تحدياً كبيراً أمام الحزب في التعامل مع الوضع الداخلي وقضايا الفساد وحرب غزة التي كانت أحد أسباب فوزه، بسبب الغضب الشعبي على الإبادة الصهيونية، وتصدي الحزب لتطبيع السلطة مع الاحتلال.
لذا، قال وائل السقا، رئيس حزب جبهة العمل الإسلامي، لوكالة «رويترز»، الأربعاء 11 سبتمبر: إن منح الشعب الأردني ثقته بالتصويت لنا، يجعل هذه المرحلة الجديدة تزيد من أعباء المسؤولية على الحزب تجاه الوطن ومواطنينا.
ووفق آخر نتائج معلنة، فاز حزب جبهة العمل الإسلامي، الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن، بـ34 مقعداً برلمانياً، منها 18 على المستوى الوطني العام، و16 على مستوى الدوائر.
الفوز كان كاسحاً وكبيراً في مختلف المناطق، حتى إن الحزب فاز أيضاً ببعض الدوائر المخصصة للأقليات الداعمين له، حيث فاز بأغلبية مقاعد الكوتا المسيحية والشركسية والشيشانية والمرأة، ومنها المقعد المسيحي في عمَّان الدائرة الثانية.
وجاء الحزب في المرتبة الأولى على القائمة الوطنية، بعدد مقاعد 18 مقعداً، من بين 41 مقعداً مخصصة للأحزاب؛ أي بنسبة 40% تقريباً، وبفارق كبير وهائل عن حزب الميثاق الفائز الثاني، وهو حزب محافظ وسطي، قريب من السلطة، وجاء في المرتبة الثانية بـ4 مقاعد فقط، وأحزاب اليسار في ذيل القائمة.
وعلى صعيد القوائم المحلية، حصد الحزب على 16 مقعداً، كما حصد 4 مقاعد من المخصصة للنساء، بخلاف 4 مقاعد لنساء من الحزب على القائمة الوطنية، ليصبح عدد النساء الفائزات على قوائم الحزب الإسلامي 8 نساء، وهو رقم قياسي.
كما حصد الحزب المقعدين المخصصين للشركس والشيشان، وتمكن من حصد المقعد المسيحي الوحيد في عمَّان، وشهد البرلمان الحالي نجاح أول نائب مسيحي على قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي.
وأكد الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخاب، محمد خير الرواشدة، أن أعلى حزب حصد على أصوات هو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي حصد 460 ألف صوت، بحسب موقع «الغد» الأردني، ويليه حزب الميثاق وأحزاب يسارية.
وخصص قانون الانتخابات الجديد لأول مرة 41 مقعداً بشكل مباشر لأكثر من 30 حزباً مرخصاً ومعظمها مؤيد للحكومة، كما رفع حصة تمثيل المرأة إلى 18 مقعداً من 15 مقعداً، وخفض سن النواب المنتخبين إلى 25 عاماً من 30 عاماً، لكن ظل البرلمان محتفظاً بنظام انتخابي يفضل المناطق القبلية والإقليمية ذات الكثافة السكانية المنخفضة على المدن ذات الكثافة السكانية العالية التي يسكنها في الغالب الأردنيون من أصل فلسطيني، وهي معاقل إسلامية ومسيسة إلى حد كبير.
ويعيش أكثر من ثلثي الأردنيين في المدن، ولكنهم يحصلون على أقل من ثلث مقاعد البرلمان.
هدية غزة
يمكن اعتبار هذا الفوز بمثابة هدية غزة للحزب الإسلامي، حيث حاولت قوى يسارية وحكومية تشويه صورته بادعاء أنه يستغل قضية غزة ومعاناة الفلسطينيين حين صمم دعايات مرشحين في صورة «مثلث القسام» الأحمر، لكن الشعب كان له رأي آخر؛ فقد كان الحزب الإسلامي هو الوحيد الذي حرك الشارع لنصرة غزة، وتظاهر عشرات المرات أمام السفارة «الإسرائيلية»، وطالب بطرد السفير وغلق السفارة ووقف التطبيع، وبسبب ذلك نال أعضاء الحزب ومناصروه نصيبهم من حملة الاعتقالات ضد منتقدي حرب غزة ومن بين 1500 معتقل كانت الغالبية من الإسلاميين.
كما سارع الحزب لدعم أسرة شهيد الأردن السائق ماهر الجازي الذي قتل 3 «إسرائيليين» برصاص مسدسه.
وذهب وفد بقيادة المراقب العام للإخوان، وأمين عام الجبهة الإسلامية مراد العضايلة لزيارة أسرته وتقديم العزاء وإعلان دعم الحزب للمقاومة ضد الاحتلال، وهو ما لم يجرؤ أي حزب يساري أو قومي على فعله؛ وهو ما زاد من شعبية الحزب وقادة الحركة الإسلامية؛ لأنهم اتخذوا، بجرأة، الخطوة الضرورية سياسياً ووطنياً وحتى انتخابياً بزيارة قبيلة الحويطات، قبل 24 ساعة من الانتخابات لتقديم واجب العزاء، دون بقية الأحزاب السياسية التي يبدو أن حساباتها الانتخابية منعتها حتى من إصدار بيان تبارك فيه عملية قتل «الإسرائيليين».
لذا، اعتبر محللون أردنيون أن زيارة معان وقبيلة الحويطات من قبل قيادات التيار الإسلامي شكلت هدفاً في المرمى السياسي في يوم الصمت الانتخابي؛ ما جعل التيار الداعم للمقاومة يحقق مفاجآت في العملية الانتخابية.
كانت حرب غزة، وفق تقارير أجنبية عديدة، سبباً في فوز الحزب بهذه النسبة الكبيرة، فقد رأوا في نتائج الانتخابات مفاجأة كماً ونوعاً من حيث اكتساح جبهة العمل الإسلامي؛ لأن الشعب رأى أن الإسلاميين هم الأقرب للمقاومة؛ وبالتالي، كان لغزة ولاستشهاد ماهر الجازي دور في ذلك.
قبل الفوز، قالت وكالة «رويترز»: إن حرب غزة سوف تصب في صالح الحزب الإسلامي؛ بسبب التعاطف الشعبي الكبير مع الفلسطينيين في محنتهم، وتصدر التيار الإسلامي فعاليات الاحتجاجات المطالبة بالرد على مجازر الاحتلال وإلغاء التطبيع.
وأكدت عدة صحف أجنبية منها «نيويورك تايمز»، و«ميديا لايد»، ووكالات غربية، أن الانتخابات الأردنية، التي تأثرت بالغضب بشأن غزة، سوف تشهد مكاسب إسلامية تتحدى أمريكا والغرب الداعمين لـ«إسرائيل»؛ بسبب تنامي الدعم الشعبي لـ«حماس».
وقال مراد العضايلة، الأمين العام للحزب لـ«رويترز»: إن ما يحدث حالياً في قطاع غزة معركة وجودية لا يمكن للحركة الأردنية ولا الإسلامية أن تقف خلالها مكتوفة الأيدي، وقال: إن صوت الشارع الأردني مسموع ومؤثر.
ويقول محللون أردنيون: إن السلطات ربما لم تتدخل لتغيير النتائج بصورة كبيرة كي تنقل رسالة خارجية لـ«إسرائيل» وأمريكا أن هذا مزاج الشارع بعدما قام الاحتلال بمجازر وإبادة جماعية في غزة أغضبت الأردنيين بشدة.
لكنهم أكدوا صعوبة تزوير الفوز الكاسح لمرشحي جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات الأردنية؛ لأنه يعكس بدقة المزاج الشعبي بعد «طوفان الأقصى».
ووصف المحلل السياسي ياسر الزعاترة فوز الإسلاميين بأنه رسالة لمرضى متلازمة «الإسلام السياسي» الذين يزعمون موت التيار الإسلامي بعد إجهاض «الربيع العربي» وفشل لعبتهم في إنهاء دور الإسلاميين الذين يختارهم الشعب في كل مرة.
واعتبر الصحفي المصري قطب العربي أن نتائج الانتخابات رسالة إلى الذين بشروا وما زالوا يحلمون بغياب الإخوان أو التيار الإسلامي عموماً، وقال: كلما جرت انتخابات حرة في أي مكان ستجدون نتائج مشابهة، فالشعوب تعرف من يستحق أصواتها.