تعتبر المؤسسات الخيرية جزءاً حيوياً من البنية المجتمعية في كل دولة، حيث تسعى إلى تلبية احتياجات الفئات المهمشة ودعم التنمية المستدامة، غير أن نجاح هذه المؤسسات يعتمد بشكل أساسي على دور أصحاب المصلحة (stakeholders) الذين يساهمون بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تحقيق الأهداف المنشودة؛ لذا، من الضروري فهم أهمية هؤلاء الأطراف وتأثيرهم على استدامة وتطوير المؤسسات الخيرية.
تعريف أصحاب المصلحة في المؤسسات الخيرية
يشير مفهوم أصحاب المصلحة إلى الأفراد أو الجماعات التي تؤثر أو تتأثر بأنشطة المؤسسة، بالنسبة للمؤسسات الخيرية، يشمل ذلك المانحين، المتطوعين، المستفيدين، الشركاء الحكوميين، والجهات الإعلامية، لكل فئة دور محوري يتداخل مع إستراتيجيات وأهداف المؤسسة، ويجب أن تحظى بعناية خاصة لضمان تحقيق أفضل النتائج.
تأثير أصحاب المصلحة على استدامة المؤسسة
وفقًا لدراسة أجرتها جامعة ستانفورد، فإن إشراك أصحاب المصلحة في مراحل التخطيط والتنفيذ يرفع من مستوى الشفافية ويعزز ثقة المجتمع بالمؤسسة؛ هذا الأمر يؤدي إلى زيادة الدعم المادي والمعنوي؛ مما يسهم في استدامة المؤسسة على المدى الطويل. ووفقًا للدراسة ذاتها، فإن المؤسسات التي تولي أهمية كبرى لتفاعل أصحاب المصلحة تسجل ارتفاعًا في مستويات التبرعات يصل إلى 20% مقارنة بالمؤسسات التي لا تعتمد هذا النهج.
الفئات الرئيسة من أصحاب المصلحة في المؤسسات الخيرية:
1- المستفيدون:
المستفيدون هم المحور الأساسي الذي تدور حوله نشاطات المؤسسة الخيرية، دراسة نشرتها منظمة «تشارتي نافيغيتر» عام 2021م أظهرت أن 73% من المؤسسات الخيرية التي تركز على تلقي ردود فعل مباشرة من المستفيدين تحسن خدماتها بشكل ملحوظ، التواصل الفعّال مع المستفيدين يسهم في توجيه المشاريع إلى المجالات الأكثر احتياجًا وضمان تحقيق الأثر الاجتماعي المرجو.
2- المانحون:
تشير تقارير صادرة عن البنك الدولي إلى أن الشفافية في إدارة التبرعات وتوفير تقارير دقيقة حول استخدام الأموال يؤدي إلى زيادة ثقة المانحين؛ مما يعزز استمرارية تدفق الدعم المالي. المانحون ليسوا فقط مصدرًا للدعم المالي، بل هم أيضًا وسيلة لتوسيع شبكة التأثير الخيري من خلال علاقاتهم ومواردهم.
3- المتطوعون:
يؤدي المتطوعون دوراً مهماً في تنفيذ المشاريع الميدانية والمساهمة في تخفيف تكاليف التشغيل، دراسة أجرتها جامعة هارفارد بينت أن المؤسسات التي تعتمد على المتطوعين بنسبة 30% من هيكلها التنظيمي تزيد من قدرتها على تنفيذ برامج أكثر بتكلفة أقل بنسبة 40%، دور المتطوعين يتعدى كونه دعمًا ماديًا، بل يسهم في تعزيز العلاقات المجتمعية ورفع مستوى الوعي حول قضايا المؤسسة.
4- الشركاء الحكوميون:
التعاون مع الجهات الحكومية يسهم في تسهيل الإجراءات وتوفير الدعم القانوني والتنظيمي للمؤسسة، دراسة قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في عام 2020، بينت أن 65% من المؤسسات الخيرية التي تتعاون مع الحكومات تتمكن من الوصول إلى مصادر تمويل إضافية وتطوير شراكات إستراتيجية تسهم في توسيع نطاق تأثيرها.
أهمية إشراك أصحاب المصلحة في صنع القرار
إشراك أصحاب المصلحة في عملية اتخاذ القرار يعتبر عنصرًا أساسيًا في تحسين الأداء العام للمؤسسة، وفقًا لبحث أجرته جامعة كاليفورنيا، فإن المؤسسات التي تستفيد من آراء ومقترحات أصحاب المصلحة تملك قدرة أكبر على تكييف إستراتيجياتها بما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية على أرض الواقع، هذا الأسلوب يضمن تقديم برامج مبتكرة وموجهة تلبي احتياجات المستفيدين بشكل أكثر دقة.
دور التكنولوجيا في تعزيز التواصل مع أصحاب المصلحة
في عصر التكنولوجيا الرقمية، أصبح التواصل الفعّال مع أصحاب المصلحة أسهل وأكثر شفافية، استخدام المنصات الرقمية والتطبيقات الذكية يمكن أن يسهم في تسهيل التبرعات، وتقديم التقارير الدورية، ومشاركة المستجدات حول المشاريع، وفقًا لتقرير صادر عن «مؤسسة بيل وميليندا غيتس»، فإن 85% من المؤسسات الخيرية التي تستخدم التكنولوجيا لتحسين التواصل مع أصحاب المصلحة قد شهدت زيادة كبيرة في نسبة التبرعات والمشاركة المجتمعية.
استدامة النجاح عبر الشراكات المؤثرة
يمكن القول: إن إشراك أصحاب المصلحة في المؤسسات الخيرية يمثل حجر الزاوية لتحقيق الاستدامة والنجاح. من خلال بناء علاقات قوية مع المانحين، المتطوعين، المستفيدين، والشركاء الحكوميين، يمكن للمؤسسة أن تضمن استمرارية تأثيرها الاجتماعي وتوسيع نطاق عملها. الإحصاءات والبحوث تؤكد أن العلاقة المتبادلة مع أصحاب المصلحة لا تعزز فقط من شفافية المؤسسة، بل تفتح آفاقًا جديدة للشراكات والابتكار.
في النهاية، يعتبر نجاح المؤسسة الخيرية مرهونًا بقدرتها على فهم احتياجات أصحاب المصلحة واستيعاب دورهم في تحقيق أهدافها. إن الاستفادة من هذه العلاقات ستمكّن المؤسسات من تحقيق تأثير مجتمعي حقيقي ودائم.