اجتاحت الدراما بكل أنواعها ولغاتها عالمنا العربي والإسلامي وحازت على الكثير من الحفاوة والإقبال، بيد أنها تملك من المساوئ والآثار السيئة ما وجب ذكره والتنويه إليه حتى ينتبه المشاهد ويتوخى الحذر من تشوه الفكر وانحراف العقيدة؛ ولأن الجمهور الأكبر هو من النساء، فسنحرص على تسليط الضوء على أبرز الآثار السلبية على فكر النساء في عصرنا لما يناقض أو ينافي الكثير منه الشرع وعقيدتنا الإسلامية.
1- المطالبة بالندية واستنكار القوامة:
وهو أمر منافٍ تمامًا لأصل العلاقة بين الزوجين، فتجد الكثير من الزوجات تتحدى زوجها وتتطالبه بالمساواة في التصرفات وردود الفعل، فتستنكر مثلًا قوامته عليها، وذلك بأن تأبى استئذانه في أمور وجب استئذانه فيها بحجة أنها حرة ومستقلة، وتفعل ما تريد على هواها ولا تستجيب لما يطلبه منها لمجرد العناد، وهنا كارثة أخرى، حيث أسرفت الدراما في السنوات الأخيرة في تصدير صفة العناد -عند النساء بالذات- على أنها خصلة حسنة! فتظهر المرأة في كثير من العلاقات الزوجية على أنها الشريك المخالف، فهي تخالف زوجها في أي رأي لمجرد المخالفة والعناد، لا لرجاحة عقلها أو لحكمة رأيها، أو حتى لمجرد رغبتها في أن يقدر زوجها رأيها!
وهنا يحدث الخلط الكبير بين عدم تفريق الزوجات في ضرورة أن يحترم الأزواج رأيهن، بل وأفضلية أن يمتثلن مشورتهن ما كانت في محلها، والعناد والتمسك بالرأي بغض النظر عن مدى صوابه ورجاحته.
2- إظهار الغيرة بين الزوجين على أنها أمر منبوذ:
وأحيانًا يصل الأمر إلى حد تصويرها بأنها إنما تعكس عدم ثقة الزوج بزوجته أو العكس، وفي هذا إجحاف كبير لهذا الشعور المميز والنبيل بين الزوجين، ما لم يتجاوز القدر المعقول لئلا يدمر العلاقة أو يجرح المشاعر، حيث حكى الصحابي الجليل سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه قائلًا: «لو رَأَيْتُ رَجُلًا مع امْرَأَتي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عنْه»، فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ عليه الصلاة والسلام: «أتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ منه، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي..» (صحيح مسلم)، فالغيرة على الأهل وبين الأزواج محمودة في إسلامنا ما لم تصل للصورة المرضية التي يشكك فيها أحد الطرفين في الآخر باستمرار وبسبب أو دونه، فالأصل في الأمور هو الوسط، فعدم الغيرة هو قطعًا منبوذ في إسلامنا ويعكس نفسًا غير سوية، والغيرة الزائدة عن حدها مؤذية للزوجين، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
3- تجميل الخيانة طالما لم تتوج بالزواج:
في كثير من المسلسلات يروج لفكرة أنه لا بأس في أن يخون الزوج زوجته أو حتى ينجب من امرأة أخرى طالما لم يتزوج تلك المرأة ويترك زوجته، وقد كَثُر عرض هذه الفكرة وتجميلها في نظر المشاهد بحيث أثرت على تفكير الكثير من الفتيات المسلمات، وتغيرت نظرتهن فيما يتعلق بتصغير عظم كبيرة الزنى وجرم الخيانة، والتهوين من قدسية الزواج وكونه ميثاقًا غليظًا، فقد تجد من النساء من يسهل عليها مسامحة زلة زوجها وخيانته لها، ولكنها ترفض زواجه بثانية جملة وتفصيلًا! وهذا يعود للتأثر بما يشاهدنه، بالإضافة لجهلهن بأمور العقيدة وما يحلله أو يحرمه الشرع، وبالتالي تغليب العواطف والمشاعر القلبية على شرع الله سبحانه وتعالى.
4- لا زواج دون علاقة حب قبله:
صارت مسألة أن يكون للفتاة صديق أو علاقة قبل الزواج غير مستنكرة ولا بأس بها، وكثير ما يكون الأب على علم بهذا الأمر ولا يرفضه أو يستنكره، ناهيك عن منع ابنته من إقامة علاقة غير شرعية! كما ازداد من جهة أخرى هوس الفتيات بفكرة ضرورة الحب وأهميته قبل الزواج، وأنه لا يصلح بحال أن تتزوج الفتاة إذا لم تقع في الحب، ولا يدركن أن تحقيق مثل هذا الأمر ينافي طبيعة العلاقة التي تجمع الرجل المسلم والمرأة المسلمة قبل الزواج، فهما أجنبيان حتى في فترة الخِطبة وحتى يتم عقد القران.
ومن هنا، فالغالبية العظمى من المعاملات والأمور التي تؤدي لإشعال فتيل الحب بينهما هي في الحقيقة لا تجوز شرعًا إلا بعد الزواج، فلا مجال إذن لمقارنة مسائل التعارف والخطبة والزواج من منظور إسلامي مع قصص ومسلسلات درامية لا تعتمد المنهج والشرع الإسلامي في وصف وتصوير حقيقة وتفصيل العلاقة العاطفية بين الجنسين قبل وبعد الزواج.
ولا ينتهي الهوس بمسألة الحب في العلاقات التي تسبق الزواج فحسب، بل إن الكثير من المسلسلات تعرض لقضية استحالة نجاح الزواج ما لم يُبنَ على الحب، والحب وحده، وتصل المبالغة في هذا الأمر أقصاها حين يصورون صعوبة استمراره إذا ما انتهى الحب بين الزوجين أو نضب معينه بعد فترة من الزواج، ضاربين بهذا جميع القيم الإنسانية والأخلاقية الأخرى من مودة ورحمة وإحسان ورفق لين واحترام وتقدير عرض الحائط.
5- افتتان البنات بالممثلين وتغزلهن بهم:
غدت هذه ظاهرة غير محمودة بالمرة، فتجد فئة كبيرة من النساء خاصة ممن هن تحت العشرين يبيحون لأنفسهن التأمل في صور الممثلين الرجال أبطال المسلسلات بشكل عام والرومانسية على نحو خاص، ويتغزلن بهم وبوسامتهم بما ينافي حياء المرأة المسلمة وتقواها في التعامل مع الرجل الأجنبي عنها، كما يعكس عدم الالتزام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغض البصر، فهن لا يكتفين بالنظرة الأولى أو الثانية بل تعدى الأمر لإنشاء صفحات ومجموعات مخصوصة على وسائل التواصل الاجتماعي بممثل معين ونشر صوره وتفاصيل حياته وعاداته والتغزل به شعرًا ونثرًا، وليس هذا من إسلامنا في شيء، ولا مما يُباح للمرأة المسلمة القيام بها في علاقتها مع الأجانب من الرجال.
وبناء على ما ذكرناه آنفًا، فلا بد للمسلمة أن تتوخى الحذر أثناء مشاهدتها أو اطلاعها على أي عمل درامي لئلا يؤثر على فكرها وعقيدتها، كما يجب ألا تغدو الأفلام والمسلسلات هي المرجع لقراراتها وتصرفاتها وأفكارها، بل إن عقيدتها وهُويتها الإسلامية هي المسؤولة عن كل هذا، وأخيرًا، على المرأة المسلمة أن تحرص على فهم دينها من المصادر والمراجع الصحيحة لا من المسلسلات والأعمال الدرامية التي ندر ما يكون هدفها إيصال رسائل سامية وأفكار صائبة ومبادئ راقية لمشاهديها.