تشهد العملية التعليمية في اليمن تدهوراً خطيراً وتراجعاً مستمراً، حيث تضرر التعليم بشكل كبير، وتأثرت مختلف جوانبه على نحو لم يشهده اليمن من قبل، نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من 9 أعوام؛ حيث يُعد قطاع التعليم في اليمن من أكبر القطاعات التي تضررت نتيجة الحرب؛ إذ بات واقع التعليم أكثر سوءاً، حيث زادت نسبة الأمية القرائية، بحسب تقارير معنية، بنحو 70% في الأرياف، و40% في المدن.
وبحسب منظمة الطفولة الأممية (يونيسف)، فقد كشفت عن أن أكثر من 4.5 ملايين طفل في اليمن خارج المدرسة، بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح في البلاد، وكان لتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً تأثير بالغ على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة، البالغ عددهم 10.6 ملايين طالب وطالبة.
وقد تفاقمت الأمور على نحو أسوأ، إثر الانقسام في إدارة العملية التربوية ووجود وزارتين للتربية والتعليم، بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين، ونزوح آلاف المدرسين وعشرات آلاف الطلاب من مناطق سيطرة الحوثيين إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، لا سيما محافظة مأرب، التي تكتظ بالنازحين؛ ما ضاعف العبء هناك.
وأكد رئيس الوزراء اليمني في الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً أحمد بن مبارك، في وقت سابق، أن قطاع التعليم في اليمن تعرض لأضرار بالغة طالت البنية التحتية ومخرجاته التعليمية؛ ما خلف أزمه تعليمية هي الأسوأ في تاريخ اليمن.
وأوضح، في كلمة له ألقاها بمؤتمر نظمته مؤسسة التعليم فوق الجميع القطرية، تحت شعار «التعليم في خطر: التكلفة الإنسانية للحرب»، حجم الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها القطاع التعليمي والأطفال في النزاعات، بحضور قادة عالميين ومسؤولين كبار في الأمم المتحدة وممثلي منظمات المجتمع المدني من كافة أنحاء العالم.
وأشار بن مبارك إلى أن عدد المدارس التي تضررت من الحرب بلغت أكثر من 2860 مدرسة، أصبحت غير قادرة على استقبال الطلاب بسبب تدميرها كلياً أو جزئياً أو استخدامها ثكنات عسكرية أو مخازن لأسلحة جماعة الحوثي، بالإضافة إلى استخدام بعضها زنازين ومعتقلات للمعارضين لسياسة الجماعة.
ويرى المحلل السياسي والتربوي عبد الواسع الفاتكي أن ما يحدث في اليمن بعد 8 سنوات من الحرب يجعل المتابع للشأن اليمني أمام مشهد تعليمي مجزأ كأنه بين نظامين تعليميين لدولتين مختلفتين، مضيفاً أن الحرب أثرت كثيراً على جودة التعليم، فأصبحت مخرجاته رديئة سواء في مناطق الحكومة الشرعية أو مناطق سيطرة الحوثيين.
ويردف الفاتكي بالقول: اليوم أصبحنا أمام نظامين تعليميين مختلفين بأهداف وتوجهات مختلفة، يلاحظ ذلك من خلال إصرار جماعة الحوثي على إيجاد فلسفة جديدة للتعليم تتوافق مع توجهاتها الفكرية، وهي تعمل بخطى حثيثة على أن تكون مخرجات التعليم تخدم وجهتها وتغير من هويات الطلاب وهويات المجتمع اليمني.
ويواصل المحلل السياسي اليمني سرد العديد من المشكلات التي رافقت وما زالت العملية التعليمية في اليمن التي برزت بشكل كبير منذ الحرب، منها تحويل الكثير من المدارس إلى سجون، وتحويل البعض الآخر إلى مقار للدورات الطائفية، وعدم توفير الكتاب المدرسي، وانتشار ظاهرة الغش على نحو غير مسبوق.
ونتيجة لاستمرار الحرب في اليمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام الدخل، فقد شهدت البلاد حالة غير مسبوقة من التسرب في أوساط الطلاب بمختلف مستوياتهم، وترك عشرات الآلاف منهم مقاعدهم الدراسية لتوفير لقمة العيش، وهو الهدف نفسه الذي دفع بالآلاف من المعلمين وأساتذة الجامعات الذين باتوا بلا رواتب منذ العام 2016م إلى ترك التدريس والبحث عن بدائل توفر لهم لقمة العيش، حيث اضطرتهم الظروف المادية للقيام بأعمال شاقة ومتواضعة لا تتناسب مع مستويات الكثيرين منهم ودرجاتهم العلمية.
ووفقاً لتقرير حقوقي صدر في وقت سابق عن «المركز الأمريكي للعدالة»، حمل عنوان «الجريمة المنسية»، فإن أكثر من 170 ألف معلم ومعلمة يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين يعانون من انقطاع مرتباتهم، كما رصد التقرير مقتل 1579 معلماً، و2624 حالة إصابة، منذ سبتمبر 2014م، إضافة إلى 621 حالة اعتقال، و36 حالة إخفاء قسري، و142 حالة تهجير قسري.
وكما طالت مؤسسات الدولة اليمنية؛ عسكرية ومدنية، نكبة الحرب، فلم يكن التعليم الجامعي بمنأى عن تلك النكبة والأضرار التي طالت مختلف جوانب الحياة، إن لم يكن هو الأكثر تضرراً، فقد هدمت الحرب وأطرافها كل ما تم بناؤه في سنوات طويلة من خلال الاستحداثات في المناهج، وتغيير في مسار العملية التعليمية في الجامعات، وإقصاء الكوادر والمتخصصين، ونهب إيرادات ومخصصات الجامعات، وغيرها من التجاوزات والتعسفات.
ونتيجة للعبث المتكرر والفساد المتواصل في الجامعات الحكومية والخاصة، والتراجع المستمر لجودة التعليم؛ فقد تسبب ذلك بإلغاء تصنيف جامعة صنعاء التي تعد الجامعة الحكومية الأولى في اليمن وجامعات يمنية أخرى، من معهد التصنيف العالمي في الصين، وصولاً إلى إلغاء اسم اليمن من القائمة بشكل نهائي؛ ما يشير إلى أن التعليم في اليمن بشكل عام بات غير معترف به، أو على الأقل ليس داخلاً ضمن قائمة التعليم الدولي.