كاتب المدونة: يوسف صاحب الندوي (*)
يمكن كتابة آلاف الصفحات حول تضحيات المسلمين من أجل استقلال الهند، ولكن لسوء الحظ، تحت سيطرة الطائفيين قام المتعصبون بإخفاء هذه الحقيقة وتشويه التاريخ في كتب التاريخ الهندية، وفي الواقع، يُعاد كتابة التاريخ المُحرف بهدف تقسيم الشعب الهندي للحصول على الأصوات والسلطة، وقد ذكر الكاتب الكبير والأديب الهندي خوشونت سينغ قائلاً: «استقلال الهند مكتوب بدماء المسلمين».
وقد تم من قبل نقش أسماء 95300 من المناضلين على بوابة الهند «India Gate» في نيودلهي عاصمة الهند، ومن بين هؤلاء كان 61945 من المسلمين؛ أي ما يعادل 65% من المناضلين من أجل الحرية والاستقلال كانوا من المسلمين بلا شك.
ولا يوجد أحد يجهل الثورة المليبارية التي كانت جزءًا مهمًا من تاريخ الاستقلال الهندي في عام 1921م، حدث التحريض في مقاطعة مالابار بولاية كيرلا الحالية، في الركن الشمالي من الهند البريطانية، في وقت كانت فيه ردود الفعل والصراعات شديدة ضد الاحتلال البريطاني، القوة الاستعمارية في مختلف أنحاء العالم، أطلقت قوات الاحتلال النار على عدد لا يحصى من الشباب والنساء والأطفال وكبار السن من المسلمين، وقد أثبت شعب مالابار وجودهم في هذا النضال متناسين الدين والطبقة والعرق واللون، وهو فصل مهم في النضال الهندي من أجل الحرية والاستقلال.
وبمناسبة الذكرى المئوية لنضال مالابار، كان من الأدب العام لأي حكومة أن تحترم أولئك المجاهدين والمقاتلين الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية واستقلال الوطن، الذين تم ترحيلهم إلى أراض أجنبية واستعدوا لتضحيات كبيرة، لكن الحكومة المركزية الهندية، التي تقودها جماعات هندوسية متشددة، حاولت بكل خسة إزالة أسماء وتاريخ 387 مجاهدًا من قائمة الشهداء، وقد تم إزالة أسمائهم من المجلد الخامس من موسوعة نشرت تحت إشراف المجلس الهندي للبحوث التاريخية (Indian Council for Historic Research).
وقد بدأت محاولات تحريف تاريخ الهند منذ سنوات فعلاً، وفي هذه المناسبة، في الذكرى المئوية للنضال، تبدو الإجراءات السرية سريعة للغاية، وقد وضعت الخطة تحت رعاية جماعة الخدام السياسية الهندوسية المتشددة (RSS)، وتم تشكيل لجنة خاصة من ثلاثة أعضاء متورطين في تنفيذها، وتعتبر هذه اللجنة أن كل ما ذكره وكتبه دعاة الهندوسية المتطرفة مصدرًا ومرجعًا، مما يمهد الطريق لهذا الانقلاب التاريخي.
إن نتائج اللجنة الجديدة معادية للتاريخ والبشرية، ومثيرة للاشمئزاز والسخرية، فالسرد الاستعماري البريطاني لنضال مالابار عام 1921م موجود أمام طلبة التاريخ، ويمكننا معرفة طبيعته دون فحص الوثائق التي أنتجها الاستعمار، بالنسبة للقوة الاستعمارية، كل حركات الحرية للمواطنين الذين ينتفضون ضدهم ليست سوى خيانة وعملية جاسوسية ضد الإمبراطورية، ومن وجهة نظرهم، اعتقل مهاتما غاندي بتهمة الخيانة والتآمر ضد الإمبراطورية العظمى، ولا شك أنهم سيقومون بكل ما يلزم لتخفيف هذه التحريضات وقمعها، ولن يترددوا في تصوير المقاومة كعمل إرهابي طائفي، وهذا ما حدث في مسألة الثورة المليبارية عام 1921م.
رغم وجود مثل هذه الروايات الاستعمارية حول النضالات من أجل الحرية في أجزاء أخرى من الهند والصراعات التي قادها مهاتما غاندي، فإن هناك روايات هندوسية متشددة تجاوزت كل المعاني، فقد قبل العديد من كبار قادة الكونغرس آنذاك الروايات الاستعمارية دون أي دليل، وفي الوقت نفسه، وثق المؤرخون والشهود البارزون ما حدث عام 1921م بتفصيل، يُعد تاريخ الثورة المليبارية، رغم القيود، تاريخًا بارزًا، وقد قام المؤرخون اليساريون بتقييم النضال بقدر من الحيادية، وقرأه الجيل الجديد من المؤرخين بتمعن شامل.
لذا، فإن محاولات الهندوسية المتطرفة لإعادة إنتاج الأكاذيب الاستعمارية من وراء السلطة لن تنجح أبدًا، ولن يقبلها طلبة العلم والتاريخ والثقافة، ربما يُحذف أسماء شهداء مالابار ضد الاستعمار من السجلات الرسمية، لكن ذلك لن يُحرف التاريخ أو يُلغيه، ولن يستخدم المؤرخون المستقبليون المحايدون السجلات الرسمية في عهد الهندوسية المتشددة الطائفية، ومع ذلك، لا يمكن لطلبة التاريخ والباحثين أن يظلوا صامتين عندما تحرف حكومة بلد علماني ديمقراطي الحقائق التاريخية بهذه الطريقة الخبيثة وغير العلمية.
يجب على المسؤولين تقديم الحقائق التاريخية كحقائق رسمية وفق منهج المؤرخين، وإذا كانت هناك أي عيوب أو انحرافات، فيجب أيضًا تدوينها بشكل مفتوح دون حاجة للتبرير، من المهم أيضًا ملاحظة أن الجالية المسلمة في ولاية كيرلا وفي عموم الهند قد شكلت مصيرها خلال القرن الماضي عبر التعلم من هذه النواقص، ولا ينبغي أن تُختصر هذه المسألة على مجتمع معين، إذ إن هذه الإجراءات لا تقتصر على الأحداث والأشخاص الذين لا يُحبونهم، بل ستصل القوى الفاشية إلى المراحل التاريخية الأخرى، مما يُسيء تفسيرها وتأويلها.
بدأت الهندوسية المتطرفة بنشر سلسلة من الكتب داخل البلد وخارجه وبالعديد من اللغات لتمهيد الطريق لتحركاتها القبيحة، ويجب على المؤرخين وطلبة التاريخ المحايدين التصدي لهذه المؤامرات الخبيثة وكشف نواياهم الحاقدة تجاه التاريخ القديم، من البديهي أن الحكومة التي دعت إلى طرد فيروس كورونا من خلال إضاءة المصابيح، وترديد الشعارات، وقرع الطبول والأواني، لا علاقة لهم بالتاريخ العريق للمجتمع الإنساني وثقافته المتجذرة.
_________________________
(*) صحفي من جنوب ولاية «كيرلا» الهندية.