حينما تم إلقاء النبي يوسف عليه السلام في البئر كانت كل المؤشرات تؤكد هلاكه، فلا مجال الحديث عن النجاة.
الظروف الصعبة جميعها كانت قد اجتمعت على طفولته الملقاة في غيابات الجب، إلا أن رعاية الله تعالى ومشيئته غيّرت الكثير من الخواص المعهودة لدى العقل البشري، فمكوثه لفترة من الزمن في بئر قديمة مهجورة لم يصبه بأذى، وفي الوقت ذاته سخّر له من يرفعه من ظلمات الجب إلى نور النجاة.
يوسف غزة
الحكاية ذاتها تكررت في غزة وتشابهت ملامحها وخطوطها العريضة التي تجلت في عناية الله تعالى في «يوسف غزة»، الحكاية بدأت من مستشفى الشهيد كمال عدوان المحاصر بالدبابات والقصف المتوالي؛ الأمر الذي جعل الظروف في غاية الصعوبة، ذلك كله زاد من وجع دقات قلب رغد البسيوني فقد اقتربت جداً لحظات الميلاد لديها.
لم يعد متوفر في المستشفى أدنى المستلزمات الطبية، فالأدوية أصبح رصيدها صفراً، والرصيد ذاته في باقي الأدوات والمعدات الصحية، فالمستشفى الذي يقع في شمال قطاع غزة لا يعاني من النقص الحاد في المستلزمات الطبية فحسب، بل في كل شيء حتى إن الأطباء والمرضى كل وجباتهم الغذائية لا تزيد على نصف رغيف صغير يومياً، والأمر زاد لانعدامه بعد تواصل الحصار وقصف المستشفى، وتوقف العمليات الجراحية، فلا إضاءة ولا مجال لعمل الأجهزة الطبية، وسبق ذلك نفاد مادة التخدير.
مخاض عسير
كل ذلك كان يجعل من عملية الولادة للمرأة الغزية القاطنة في شمال غزة أمراً في غاية الصعوبة، فجسدها منهك من قلة التغذية، والخوف الشديد، وعدم توفر أدنى احتياجاتها بأنها امرأة حامل.
لحظات الميلاد حانت رغم القصف، والخوف الشديد الذي لم يصب رغد فحسب؛ بل كل من تواجد في المستشفى المحاصر، دقائق سريعة لكنها بمثابة سنوات شعرت بها رغد في ميلاد طفلها، وكانت هناك محاولات عديدة لحماية رغد ورضيعها، الأمر الذي استدعى حاجة ملحة جداً بأن تخرج في سيارة إسعاف في محاولة للبحث لها ولرضيعها عن مكان أكثر أماناً، إلا أن صواريخ الاحتلال كان لها رأي آخر؛ حيث قصفت السيارة وتم ارتقاء كل من فيها.
هذه الصواريخ حرمت رغد من فرحة أمومتها، كما حرمت رضيعها من أبسط حقوقه بأن يرتوي من ثدي والدته وأن يحصل جسده الصغير جداً على دفء أحضانها؛ ليكون يتيماً يبصر اليتم منذ يوم ميلاده الأول، ويبصر حرباً لم ترحم ضعفه وصغر سنه وحجمه.
ورغم صعوبة المنظر وحجم الجريمة، فإن معجزة أقرب ما تكون من قصة سيدنا يوسف عليه السلام؛ حيث إن رعاية الله تعالى لهذا الرضيع الذي تجاوز يوماً من عمره كانت ذاتها؛ حيث تزامن بعد القصف أن تمر من قربه قافلة أممية تسير في المكان، فتسمع صرخات الرضيع.
رعاية الله
ورغم القصف وارتقاء الجميع، فإن الرضيع ما زال على قيد الحياة، رغم مرور أكثر من 24 ساعة وحده في المكان.
فأخذته القافلة بعيداً عن المكان، وكانت عناية الله تعالى وحفظه لهذا الطفل أكبر بكثير من وحشية الاحتلال المجرم.
هذه الحرب جعلت من أطفال غزة قصصاً كقصة يوسف؛ فقد تم انتشال العديد من الأطفال الرضع من تحت ركام منازلهم المهدمة، وكانت نجاتهم تؤكد عناية الله تعالى بهم.