تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن جذور المشروع وإطاره العام، كما تحدثنا عن الرغبة الشديدة لـ«الإسرائيليين» في الاندماج في المنطقة العربية، بالإضافة إلى شهيّتهم النّهِمة للتوسع الاقتصادي على حساب الدول العربية في إطار هذا المشروع الخطير، ونُكمل اليوم ما بدأناه هناك.
3- الهيمنة الكاملة على المنطقة وابتلاعها بعد تفتيتها:
أولاً: الإمبريالية الدولية:
حتى نصل إلى حقيقة مآرب الكيان الصهيوني من هذا المشروع، الذي بدأ تنفيذه بالفعل قبل عدة سنوات، يجب أن ننظر إلى الأمر في إطاره الموسع مرة أخرى، أي اللاعبين الدوليين الكبار محتضني هذا الكيان، وهذا يقودنا إلى تقرير رالف بيترز، الذي رسم خارطة مخيفة للمنطقة، تتضمن إنشاء دول جديدة، الأمر الذي يعني بطبيعة الحال، وحسبما ذكر بيترز أيضاً، اقتطاع مناطق أو أجزاء من بعض الدول القائمة، وإضافتها إلى دول أخرى جديدة أو حالية، على النحو التالي:
أ- العراق: يقترح بيترز تقسيمه إلى 3 دول:
– دولة كردية: إذ يتضمن المشروع إقامة دولة مستقلة للأكراد الذين يصل عددهم إلى حوالي 40 مليون كردي يعيشون في مناطق متقاربة في الشرق الأوسط، الذين يعُدّهم التقرير أكبر قوميّة في العالم لا تمتلك دولة مستقلة، على أن تكون البداية بإعلان دولة مستقلة لأكراد العراق، ينضم إليها لاحقاً أكراد إيران وسورية بالمناطق التي يعيشون فيها حالياً، مكوّنين جميعاً «دولة كردستان الكبرى المستقلّة» بحدودها النهائية، كما يذكر التقرير أن هذه الدولة الكرديّة الممتدة من ديار بكر في تركيا إلى تبريز في إيران ستكون أكبر حليف للغرب في المنطقة ما بين اليابان وبلغاريا.
– دولة شيعية عربية: وفقاً لتقرير بيترز، فإنّ الجزء الجنوبي من العراق سيكون نواة لتشكيل دولة شيعية عربية، تنضم إليها مناطق واسعة من الأراضي المحيطة بها، التي تشمل المناطق التالية:
1- الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية، الذي يضم العدد الأكبر من الأقلية الشيعية في المملكة.
2- الجزء الجنوبي الغربي من إيران والمعروف بمنطقة الأهواز، أو عربستان، التي تضم معظم الشيعة العرب في إيران.
– دولة سُنّية عربية: الدولة الثالثة في العراق ستكون دولة سُنية في الوسط مكوّنة من 3 محافظات.
ب- سورية: بعد تفتيت العراق إلى 3 دول، تتضمن دولة سُنية في الوسط، سيضطر الجزء السُّني إلى الالتحاق بسورية، لأنه سيصبح دولة بلا مقومات، فضلاً عن أنه سيكون واقعاً بين مطرقة الدولة الكردية في الشمال، وسندان الدولة الشيعية في الجنوب، وعليه ستنشأ «دولة سورية الكبرى».
جـ- لبنان: سيتم إجبار سورية على التخلي عن جزء صغير منها، وضمّه إلى لبنان، لتشكيل «لبنان الكبير» على البحر المتوسط، بهدف إحياء دولة «فينيقيا» مرة أخرى.
د- المملكة العربية السعودية: يقترح بيترز تقسيم المملكة إلى 5 أجزاء:
1- وضع مكّة والمدينة المنورة تحت سلطة دينية خاصة، على غرار الفاتيكان.
2- اقتطاع الجزء الغربي الساحلي، حيث تتواجد الأقلية الشيعية في المملكة، على أن يتم إلحاقه بالدولة العربية الشيعية المذكورة أعلاه.
3- اجتزاء المنطقة الواقعة شمال غرب المملكة وشرقها وإلحاقها بالأردن، الذي سيشكِّل بحدوده الموجودة حالياً، بالإضافة الى الجزء المقتطع من السعودية، دولة «الأردن الكبرى» التي ستضم كل الفلسطينيين في الشتات.
4- إلحاق قسم من جنوب المملكة بجمهورية اليمن التي سيتمدد حجمها.
5- تشكيل دولة سياسية في القسم المتبقي من حجم المملكة الأصلي.
هـ- الجمهورية الإيرانية: حسب ما أورده بيترز في تقريره، سوف تُقتطع بعض الأجزاء من إيران، لإنشاء الدولة الكردية، والدولة الشيعية العربية، بالإضافة إلى تكوين دولة بلوشية، مع ضم جزء صغير من الأراضي الإيرانية أيضاً لدولة أذربيجان، وفي المقابل سوف يتم اقتطاع جزء من أفغانستان المجاورة لتشكيل دولة قومية فارسية تحلّ محل الجمهورية الإيرانية الحالية.
و- قطر، الكويت، عُمان، اليمن، الإمارات: المرجّح أن تظل هذه الدول على شكلها الحالي، مع الأخذ في الحسبان أنّ الإمارات قد تشهد بعض التغييرات تبعاً للتغييرات التي سوف تطرأ على حدود بعض الدول المجاورة لها، سواء من جهة إيران، أو من ناحية الدولة الشيعة العربية، بينما سيزيد حجم اليمن نتيجة لمنحه جزءاً من المملكة العربية السعودية، كما تقدم ذكره.
ز- باكستان وأفغانستان: سوف يتم تعويض الجزء الذي سوف يُقتطع من أفغانستان لضمه إلى إيران، من خلال منح أفغانستان جزءاً كبيراً من باكستان، حيث العديد من القبائل الأفغانية القريبة لها، كما سيُقتطع جزءٌ آخر أيضاً من باكستان حيث يقيم البلوش لإقامة دولة «بلوشستان الحرة»، وبهذا يتبقى من باكستان الحالية ما يقارب الثلث فقط، وهو سوف تتشكّل منه الدولة الباكستانية الجديدة المنتظرة.
أما بالنسبة لـ«إسرائيل»، فيذكر التقرير أن عليها التنازل عن الأراضي التي احتلتها عام 1967م، لكي تعيش مع جيرانها في سلام، على أن يتم إجراء تعديلات تضمن أمنها(1).
على هذا النحو سوف يُعاد تشكيل المنطقة، مع تفتيت بلدانها إلى دويلات قائمة على أُسُس إثنية، ودينية، وطائفية، وهكذا تنكشف المآرب، وتنجلي المخططات الخبيثة التي نرى بأمّ أعيننا كيف يتم تحويلها إلى واقع فعلي منذ عدة سنوات ابتداءً بالعراق، وجاري تطبيقها في اليمن وسورية والحبل على الجرار، وهو نسق ماسوني-صهيوني يستهدف ضرب الإسلام والعروبة في مقتل.
أما بالنسبة لما ذكره بيترز بخصوص الكيان الصهيوني، فلا نراه سوى مسلك تمهيدي، أو مدخل ناعم خدّاع، يهدف إلى صرف أنظار أبناء المنطقة عن المآرب الحقيقية، وهو ما يوضع في سلّة واحدة مع سعي الكيان الصهيوني للتطبيع مع الدول العربية، بما فيه تلك الخارطة التي رفعها المجرم نتنياهو لـ«الشرق الوسط الجديد»، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل بضعة أسابيع، التي لم تتضمن أي إشارة لدولة فلسطينية! بالإضافة إلى الترويج للديانة «الإبراهيمية» التي تُعدّ ركيزة أساسية في إطار إستراتيجية التعمية والخداع وإذابة القوام الإسلامي للمنطقة وأهلها.
ثانياً: الكيان الصهيوني والهيمنة على المنطقة:
نضيّق الدائرة لنصل إلى ما يريده الكيان الصهيوني سياسياً وإستراتيجياً من هذا المشروع الخطير، أو بالأحرى نصيبه منه، ومن المعلوم ابتداءً أن مثل هذه الأمور تبقى دائماً حبيسة الغرف المغلقة على دوائر صنع القرار وطيّ ملفّاتهم السرية، ومع هذا قد تصدر إشارة من هنا أو هناك، لسبب أو لآخر، تعكس شيئاً من هذه المخططات بالغة السرّية.
من هذه الحالات النادرة ما ذكره الأديب والكاتب المعروف ب. ميخائيل، في هذا السياق، في مقال له على صفحات «هاآرتس»: «للأسف الشديد ويا للخجل، لا مفرّ من القول: إن «إسرائيل» قد قطعت شوطاً كبيراً نحو شرعنة إرهاب الدولة، المتمثل في فرض الرعب والمعاناة على السكان بوسائل عنيفة وبدون كوابح، مثلما هي الحال في غزة والضفة المحتلة، والآن في لبنان أيضاً.. هم يريدون تدميرنا! هكذا سنبرّر لأنفسنا، ونحن ماذا نريد على وجه الإجمال؟ إنه ليس بالكثير، لا نريد سوى البلاد كلها، من الفرات إلى النيل، وبالطبع لليهود فقط، هذا كل ما نريده، فهل هذا مبالغ فيه؟ هذا ما قاله الله! بصراحة هذا ما يقوله من يمسكون بزمام السلطة»(2).
ب. ميخائيل معروف بيساريته، ومع هذا لا نستطيع الجزم بما إذا كانت كلماته هذه على سبيل النقد المُنصف الموضوعي، الذي نادراً ما يصدر عن كُتّابهم وأدبائهم ومفكّريهم، أم أنه يصدُر فيها عن دوائر سياسية لأغراض خاصة.
_______________________
(1) Ralph, Peters: Blood borders, Armed forces journal, 1-6-2006.
(2) ב. מיכאל, הארץ, 24-9-2024.